لا تغيير ولا تبديل في الموقف.. والشّريط الحدوديّ “أرض بور”
بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
الحركة الأميركية تدور حول عناوينها الثابتة، و”الحزب” وإيران من خلفه يتمسّك بعناوينه الثابتة أيضاً. وما بينهما الدولة اللبنانية تستقبل وفوداً من كلا الجانبين، محاولةً ترقيع المشهد اللبناني الخارجي والداخلي على حدّ سواء. وبعد التوقيع سينفجر الواقع يوماً ما، وهذا لن يكون بعيداً كما ترجّح المصادر السياسية التي تتابع مسار التطوّرات.
بين العناوين المعلنة عنوانٌ لا يزال موضع تكتّم من السلطات اللبنانية، وهو العنوان الجديد الذي بدأت تتحدّث به الوفود الأميركية علناً في اجتماعاتها: “إنّ الأراضي التي تقع على عمق معيّن لم يحدّد بعد على الشريط الحدودي ستبقى أرضاً بوراً”، وهذا ما ستحاول تمييعه السلطة السياسية في المقبل من الأيّام. في المقابل، نجح “الحزب” في فرض عنوان تقصّد تسريبه، تزامناً مع زيارة الأسطول الأميركي: “مليار دولار لإعادة الإعمار”. فمن أين أتت هذه الأموال؟
حصر السّلاح قبل أيّ شيء
في جولة الوفد الأميركيّ لا تزال العناوين كما هي:
– ترحيب بقرارات الحكومة حصر السلاح.
– انتظار وترقّب للخطّة التي يُفترض أن يقدّمها الجيش اللبناني في جلسة بداية أيلول المقبل.
– بدء حصر السلاح مقابل بدء إسرائيل وضع خطّة لإعادة انتشار جزئيّ وليس كلّيّاً.
– لا انسحاب إسرائيليّاً من الشريط الحدودي.
– لا وقف للغارات أو للاغتيالات قبل أن ينجز لبنان على الأرض وليس على الورق.
– دعم الجيش اللبناني مرتبط بإرادته تنفيذ خطّته على الأرض لحصر السلاح.
قالت مصادر دبلوماسية أميركية لـ”أساس” إنّ الوفد الأميركي يقوم بجولة في المنطقة، تشمل سوريا ولبنان وإسرائيل، وهي جولات تُدرج عادةً في شهر آب لاستطلاع أحوال المنطقة المعنيّة. فبارّاك وأورتاغس يمسكان ملفّات المنطقة، و”السناتوران” ليندسي غراهام وجين شاهين من أهمّ الأسماء المعنيّة بتقديم قوانين لدعم الجيش اللبناني.
إلّا أنّ القراءة الواقعيّة لهذه الجولات لا تندرج إلّا ضمن إطار “ماذا تريد إسرائيل من لبنان”، وغير ذلك يسابق لبنان الوقت لإثبات أنّه قادر على أن ينفّذ ما وعد به المجتمع الدولي قبل أن تغيب لغة الدبلوماسية وتعود لغة القوّة. وهذا ما أعلنه بشكل واضح السناتور ليندسي غراهام الذي قال إنّ الحوار يصبح ذا جدوى بعد حصر السلاح، وإمّا قبل ذلك فهو بدون جدوى.
قرى الشّريط الحدوديّ: أرض بور حتّى السّاعة
على الرغم من محاولة معنيّين بالسلطة اللبنانية نفي الأمر، ما سرّبه موقع “أكسيوس” منذ أيّام دقيق جدّاً. وهو المخطّط المقرّ إسرائيلياً. ويتمحور حول أنّ المساحة الممتدّة على الشريط الحدوديّ، التي كانت مأهولة بالسكّان وأصحاب الأراضي، لن يعود إليها أصحابها، لأنّ إسرائيل لن تسمح بذلك. فبحسب المصادر الدبلوماسية، لا تريد إسرائيل أن تبقى محتلّة للأراضي الجنوبيّة، بل تريد فرض منطقة عازلة. وهي منطقة ستكون ممتدّة من الحدود اللبنانية الدوليّة التي يفترض تثبيتها، إلى الداخل اللبناني بمسافة معيّنة غير واضحة بعد. هذه المنطقة العازلة التي تريدها إسرائيل خالية من أيّ مبنى سكنيّ، يمكن لها أن تكون “أرضاً بوراً” ويمكن لها أن تكون أرضاً تُبنى عليها مشاريع لمصلحة الجانب اللبناني. لذلك تمّ إطلاق اسم T zone عليها.
من هذه المشاريع ما يمكن للبنان أن يستفيد منه في السياحة والصناعة كما تتحدّث المصادر الدبلوماسية. هذه الإغراءات الماليّة كان المبعوث توم بارّاك حريصاً على التحدّث عنها بشكل واضح وعلنيّ من قصر بعبدا، بالكلام عن تعويضات لعناصر “الحزب”، وخطط إعادة الإعمار مقابل التخلّي عن السلاح. وبالتالي الخطّة التي بدأ الوفد يتحدّث عنها بشكل تفصيليّ غيرَ مكتفٍ بعناوين عامّة فقط، هي كيفية إعادة إعمار الجنوب، وما هي المصانع والمراكز المفترض إنشاؤها، والتعويضات الماليّة لمن سيخسر منزله على الحدود، وفرص عمل لأهل الجنوب.حتّى الساعة لا تعليق علنيّاً من السلطات اللبنانية على هذا الكلام، على اعتبار أنّه أمر مربك ومحرج للبنان ولأهالي القرى الحدودية. ولكن قبل أن نصل إلى نقاش علنيّ في هذا الأمر، لبنان مقبلٌ على استحقاقات قد تكون أخطر بكثير.
برّي مستاء ومليار دولار للإعمار؟
إلى جانب احتفاظ الثنائي الشيعي بعناوينه الثابتة، كضرورة انسحاب إسرائيل ووقف غاراتها، دعت مصادر مقرّبة من “الحزب” عبر “أساس” الحكومة إلى العودة عن قراراتها. هذا الموقف ليس بجديد، لكنّ المهمّ فيه أنّه يأتي بعد زيارة لاريجاني للبنان التي قالت مصادر مطّلعة عليها إنّها جاءت لدعم وحدة الصفّ الشيعي أوّلاً ولتقوية موقف “الحزب” ودعمه في صموده بوجه القرارات الحكومية.
من جهته عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه برّي عن استيائه في لقائه مع الوفد. فبدا كلّ من الجانبين يتحدّث في قاموس مختلف. كرّر برّي على مسمع زوّاره أنّ لبنان سبق أن قام بعدّة خطوات، وعلى واشنطن أن تدعم فعلاً لا قولاً مبدأ تزامن الخطوات لدفع إسرائيل إلى القيام بخطوة من جهتها.
أمّا الحدث الذي كاد يساوي وقع وصول الأسطول الأميركي، فهو تسريب “الحزب” بأنّه بصدد صرف مبلغ مليار دولار لإعادة الإعمار. مصادر مقرّبة من “الحزب” تقول إنّ هذه الأموال موجودة منذ زمن، لكنّ “الحزب” انتظر مستجدّات الحرب لتحديد وجهة استخدامها، فقرّر اليوم، تزامناً مع الزيارات الأميركية، ومنعاً لما يعتبره دخولاً انتخابيّاً من بوّابة إعمار البيوت، أن يسرّب خبر المليار لتمويل إعادة إعمار المنازل التي لا تقع في المناطق التي لا تزال مهدّدة بحرب جديدة، ولتمويل إيجارات العائلات التي تدمّرت منازلها.
تشكّكت مصادر أخرى في صحّة هذا الخبر ورأت فيه مزيداً من الإرباك لـ”الحزب” وضغطاً عليه وعلى بيئته. ولكن بانتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة، يبدو في الخلاصة أنّ موقف واشنطن ثابت، موقف تل أبيب ثابت، موقف “الحزب” ثابت، وموقف إيران ثابت، وأمّا الدولة فتحاول اتّباع الحلول الوسط. وعليه، ما الذي سيكسر هذا الجمود؟ إمّا وساطة جدّيّة، وإمّا الحرب، وإمّا استمرار الضغط حتّى يتعفّن ويسقط الهيكل بكلّ مَن فيه.
جوزفين ديب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.