لبنان أمام خيارين: استعادة ثقة العالم أو التّعفّن

5

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

لم تكن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بمهمّة فرنسيّة فقط، بل أتت الزيارة بتنسيق سعوديّ فرنسيّ مشترك، لا سيما أنّ لودريان وصل إلى بيروت من الرياض، حيث اجتمع مطوّلاً مع الأمير يزيد بن فرحان وناقشا ملفّات عدّة، أوّلها لبنان بشكل خاصّ.

هل حمل لودريان معه ضوءاً دوليّاً أخضر للشروع في التحضير لمؤتمر دعم الجيش؟ كلّ المؤشّرات تؤكّد ذلك، فما هي الاستحقاقات المفروضة على لبنان قبل المؤتمر الموعود؟

في وصفها لزيارة لودريان الأخيرة، قالت مصادر مطّلعة على اجتماعاته مع الرؤساء إنّه جاء بضوء أخضر دوليّ لعقد مؤتمر دعم الجيش. فباريس التي طالما تحدّثت عن نيّتها عقد المؤتمر اصطدمت سابقاً برفض دوليّ تزامن مع مطالبة لبنان الرسميّ بالقيام بواجبه كاملاً في حصر السلاح.

دعم أوّليّ

ربطت الحكومة خطّة حصر السلاح، بشكل مباشر بحاجات الجيش من معدّات وتطوير وعدد إضافيّ. لذلك تشرح المصادر الدبلوماسية التغيّر الحاصل في المزاج الدوليّ انطلاقاً من تلبية الحكومة للشروط والتزامها المهمّة أوّلاً، وجدولاً زمنيّاً ثانياً. لذلك أكّدت مصادر مطّلعة على زيارة لودريان أنّ باريس ستستقبل ممثّلين عن الدول المانحة في مؤتمر قريب جدّاً لدعم المؤسّسة العسكريّة ماليّاً ولوجستيّاً، متحدّثةً عن ضوء أخضر سعوديّ يفترَض أن يترجَم في مساهمة سعوديّة وخليجيّة حاسمة لتوفير الجزء الأكبر من حاجات الجيش، بالإضافة إلى إيطاليا وفرنسا ومجموعة الدول الأوروبيّة الأخرى والولايات المتّحدة الأميركية، التي سبق أن أقرّت 14.2 مليون دولار ثمناً للوازم لوجستيّة فقط. وفي معلومات “أساس” أنّ لودريان تحدّث عن 190 مليون دولار يفترَض أن تقدّمها واشنطن للمؤسّسة، إلّا أنّ مصادر دبلوماسية أميركيّة قالت لـ”أساس” إنّ هذا المبلغ يفترَض أن يكون ضمن موازنة الكونغرس الأميركي لإدراجه وإقراره، وحتّى الساعة غائب عن الموازنة. وأضافت المصادر أنّ ذلك يعني أنّ أيّ هبة أو مساعدة أميركية للجيش ستخضع لما يسمّى PDA Presidential Drawdown Authority))، أي لقرار من الرئاسة الأميركية يمكن أن يكون خاضعاً للمزاجيّة السياسيّة، وبالتالي ليس القرار مؤكّداً بعد.

غير أنّ عدم رصد أيّ مبلغ في موازنة الكونغرس لا يعني أنّ المؤتمر لن يوفّر تمويلاً أوّليّاً للجيش اللبناني. ولكن تتوقّع مصادر مطّلعة على المباحثات الدوليّة أن لا يصل التمويل إلى حاجات المؤسّسة الفعليّة، بل أن يقتصر على مئة مليون دولار تقريباً فقط.يعود هذا المبلغ المرصود من دون إعلانه إلى الرغبة الدولية باختبار مدى قدرة الجيش على تنفيذ خطّته. لذا واحد من شروط استمرار دعمه هو تطبيقه لما أقرّته الحكومة، وأولى خطوات الدعم ستكون في المؤتمر، على أن يخضع الجيش لاحقاً لرقابة دوليّة لتطبيقه خطّته الأمنيّة، بدءاً من جنوب الليطاني وصولاً إلى شماله.

مؤتمر إعادة الإعمار مؤجّل

إذا كان مؤتمر دعم الجيش غير مشروط بالمعنى الحرفيّ للكلمة وتقتصر شروطه على استمرار تنفيذ الجيش لخطّته، فمؤتمر دعم لبنان (إعادة الإعمار وبناء الدولة) مؤجّل إلى حين تنفيذ لبنان للإصلاحات، الأمنيّة لجهة حصر السلاح، والتشريعيّة لجهة إقرار القوانين الإصلاحية الاقتصادية. وفي معلومات “أساس” أنّ بعثة صندوق النقد برئاسة إرنيستو ريغو ستصل إلى لبنان في 22 أيلول الجاري، وستضغط على المسؤولين لإدراج قانون توزيع الخسائر وطرحه على الأقلّ بمسوّدته الأولى على طاولة مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر.

يحمل لبنان معه إلى واشنطن في تشرين الأوّل مشروع القانون لمناقشته مع الممثّلين عن الصندوق في اجتماعات الخريف السنويّة. وبالتالي لا يزال بعيداً لبنان الذي أقرّ قانون السرّيّة المصرفيّة وإعادة هيكلة المصارف عن الالتحاق بمسار الإصلاحات التي يريدها صندوق النقد، لا سيما أنّ وفد الصندوق عبّر عن ملاحظاته الرافضة للاقتراحات الواردة من السلطة السياسية في شأن قانون الفجوة الماليّة.

إسرائيل باقية تراقب التطبيق

باريس تعتبر من أكثر المدافعين عن لبنان. فكما حملت لواء التجديد لليونيفيل هي اليوم تحمل لواء المطالبة بخروج إسرائيل من جنوب لبنان. وتعليقاً على القول بأنّ واشنطن تستطيع الضغط على إسرائيل للخروج من لبنان، قالت مصادر دبلوماسية أميركية لـ”اساس”، أنّ واشنطن لا تستطيع الضغط حتّى لو أرادت على تل أبيب خصوصاً في موضوع أمن حدود اسرائيل. وهو أمر لا تتدخل فيه واشنطن بغير الموافقة مع حليفتها في المنطقة بما تراه مناسباً لها. وتتحدّث المصادر انّ لا انسحاب لإسرائيل حالياً، لأنّ الأخيرة تعتبر أنّ كل ما قام به لبنان حتى الساعة هو حبر على ورق ما لم يترافق مع التطبيق. وبالتالي، فإنّ لبنان مطالب بتطبيق خطّته الأمنية كاملة لخروج كامل ونهائي مع تثبيت الحدود الدولية مع إسرائيل وضمان عدم المسّ بأمنها، ومطالب بإصلاحات اقتصادية واستعادة الثقة لاعادة الإعمار والنهوض بالبلد. وغير ذلك لا عودة إلى الوراء بحسب هذه المصادر الدولية.

تتحدّث كلّ المؤشّرات الدوليّة عن توقيت قريب جدّاً لدعم الجيش، وتوقيت غير معروف بعد لإعادة الإعمار. ولكن تقول مصادر دبلوماسية إنّ كلّ شيء مرتبط بغيره، فإذا نجح الجيش متسلّحاً “بتوافق سياسي” في إنجاز المهمّة، فسيعدّ ذلك تطوّراً بارزاً، ويضاف إليه إقرار الانتظام الماليّ بصيغة يرضى عنها صندوق النقد ليستعيد لبنان ثقة المجتمع الدوليّ، وإلّا لا تتردّد المصادر الدبلوماسية المعنيّة بملفّ لبنان بالقول إنّ لبنان سيُترك ليتعفّن وينهار وحده.

جوزفين ديب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.