لعبة الأمم: من حرب الرّسوم إلى حرب النّجوم
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
حرب الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، وعلى الاتّحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وهي الدول الأكثر تعاملاً اقتصاديّاً مع الولايات المتّحدة، ليست جديدة. فالقلق الأميركي من سرعة التطوّر الصناعي في الصين ومن انفتاحها على أسواق العالم (طريق الحرير)، حمل الإدارة الأميركية الجديدة على انتهاج سياسة عدائيّة تجاه الصين، كما حدث في مرّات عديدة سابقة.
الجديد في الصراع الأميركي – الصيني هو أنّ الدولتين الكبيرتين معنيّتان بالشرق الأوسط وبدول العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي يجعل من هذه الدول مسرحاً أو أحد مسارح الصراع الجديد.
نشبت صراعات أميركية – صينية كثيرة، وكانت الدول العربية والإسلامية بمنأى عنها. من ذلك مثلاً اعتقاد الولايات المتّحدة أنّ ماوتسي تونغ بنجاح ثورته في الصين سيشكّل خطراً على المصالح الأميركية الاستراتيجيّة. وفي محاولة من واشنطن للالتفاف على هذا التطوّر وتطويقه، شنّت حرباً على كوريا في الخمسينيات من القرن الماضي، أي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية.
اعتقدت واشنطن في ذلك الوقت أنّ الصين بقيادة ماوتسي تونغ ستصبح قوّة معزّزة للاتّحاد السوفياتي، ويقتضي قطع الطريق أمام التحالف الصيني – السوفياتي الالتفاف على الصين وتطويقها من خلال كوريا.
انتهزت واشنطن فرصة تغيّب المندوب السوفياتي في مجلس الأمن، مستفيدةً من تعطيل دور الفيتو، لاتّخاذ قرار إعلان الحرب على كوريا باسم الأمم المتّحدة. دفعت الولايات المتّحدة ثمناً غالياً سياسيّاً وعسكريّاً لتكتشف، ولو بعد فوات الأوان، أنّ ماوتسي تونغ لم يكن حليفاً لموسكو، بل إنّ الصراع الصيني – السوفياتي على الحدود أدّى إلى مناوشات عسكرية بينهما.
عرف الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيّته هنري كيسنجر كيف يمكن التسلّل من ثغرات الخلافات الصينية – السوفيتية لبناء جسر من الثقة بين بكين وواشنطن. وهو الجسر الذي عبرت عليه العلاقات بين العاصمتين عقوداً طويلة… ولا تزال بقاياه قائمة حتّى اليوم.
ترامب بالاتّجاه المعاكس لنيكسون
يبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحاول الآن القيام بالعملية السياسية ذاتها التي قام بها الرئيس الأسبق نيكسون، لكن باتّجاه معاكس. فبدلاً من أن ينفتح على بكين، كما فعل نيكسون، لقطع الطريق أمام تحالف موسكو – بكين، قرّر الانفتاح على موسكو لقطع هذا الطريق.
يتمثّل هذا الانفتاح في الوساطة غير المتعثّرة التي يقوم بها الآن بين موسكو وكييف لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وكانت الترجمة العمليّة الأولى لهذه الوساطة إدانة سياسة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (وحلف شمال الأطلسي) وسوء معاملة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض وإخراجه منه شبه مطرود. ويبدو واضحاً الآن أنّ المحادثات التمهيدية بين الجانبين الروسي والأوكراني في المملكة العربية السعودية، بمشاركة أميركية مباشرة، قد حقّقت الهدف المرحليّ الانتقالي من الحرب إلى التسوية.
هذا يعني دخول العلاقات بين الاتّحاد الروسيّ والولايات المتّحدة مرحلة جديدة من التعاون المشترك الذي يضع الصين خارج معادلة التفاهم الصيني – السوفياتي السابق.
يذكر المؤرّخ الأميركي ديفيد هلبيرشتاين في كتابه “الشتاء الأبرد: أميركا والحرب الكوريّة”، كيف أنّ الصينيين في ذلك الوقت لم يكونوا يملكون طائرات عسكرية مقاتلة، وأنّ رئيس الاتّحاد السوفياتي آنذاك جوزف ستالين نكث بوعده لهم بتزويدهم بالطائرات. ويذكر أيضاً كيف أنّ القوّات الصينية (300 ألف جندي) عانت المجاعة أثناء الحرب بسبب انقطاع طريق الإمداد، وأنّها لم تكن تملك سوى 300 سيّارة شحن لنقل الجنود والمعدّات والذخيرة… وبقايا الطعام.
الصّين اليوم والصّين بالأمس
لكنّ الصين اليوم هي غير الصين بالأمس. تعرف الولايات المتحدة أنّ بكين أصبحت قوّة نووية، وتملك أساطيل جويّة وبحريّة قادرة على انتزاع تايوان من بين براثن النفوذ الأميركي وإعادتها بالقوّة العسكرية إلى الوطن الأمّ من جديد. ثمّ إنّ النفوذ الصيني المعنويّ (السياسي والاقتصادي) امتدّ إلى أميركا اللاتينية وإفريقيا، وإلى الشرق الأوسط، وإنّ هذا الامتداد يفرض معادلات سياسية – عسكرية تعيد رسم مسرح لعبة الأمم من جديد.
من أجل ذلك يحاول الرئيس ترامب التودّد إلى روسيا عن طريق تسوية الحرب في أوكرانيا لقطع الطريق أمام أيّ تحالف روسي – صيني في مواجهة النفوذ الأميركي المتعثّر في الشرق الأقصى تحديداً، وفي مناطق عديدة أخرى من العالم، نتيجة سياسة الرئيس ترامب الاستعلائية والضريبية الجديدة.
من المعروف عن الرئيس الأميركي ترامب أنّه قد لا يكون رجل دولة ناجحاً، لكنّه بالتأكيد رجل أعمال ناجح جدّاً. ومن المعروف أيضاً أنّه يدير شؤون الدولة الكبرى في العالم بحسابات رجل الأعمال وبعقليّة رجل السياسة. فهو يعرف أنّ الصين اليوم التي وصلت إلى القمر، هي ليست الصين في الأمس التي غرقت في وحول كوريا وفيتنام. ولكنّه يعرف أيضاً أنّ موسكو اليوم المتعثّرة في أوكرانيا ليست موسكو الأمس التي وصلت إلى كوبا.
أين يقف العالم العربي من هذه التحوّلات التي نقلت العالم من حرب الرسوم إلى حرب النجوم، والتي تصنع مستقبل عالم القرن الواحد والعشرين؟!
محمد السماك
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.