لماذا اعتدت إيران على قطر؟

11

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

قصفت الولايات المتّحدة منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الإيرانية في 22 حزيران الجاري. ردّت طهران انتقاماً، بعد تفكير ومداولات و”هندسات” خلفيّة، بالاعتداء على دولة عربيّة. بعد انتهاء الحرب لم يهدّد المرشد علي خامنئي الولايات المتّحدة وإسرائيل بأيّ انتقام أو عقاب معلناً الانتصار، لكنّ إيران أنهت حربها بتدبير ملفّق احتاج إلى الاعتداء على دولة قطر.

ظنّت الدوحة أنّ سياساتها الودّية القديمة مع إيران تقيها غضب الوليّ الفقيه، لكنّ صاحب الأمر في طهران لم يتردّد في النيل من مناعة قطر من دون كثير اهتمام، على ما يبدو، بتداعيات ذلك الإثم وأكلافه.

قصفت الولايات المتّحدة المنشآت النوويّة بقرار صادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن. انطلقت القاذفات الاستراتيجيّة الشبحيّة السبع من طراز ‪B2 من قاعدة وايتمان الجوّية الأميركية في ولاية ميزوري في الولايات المتّحدة لتلقي بـ 14 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز ‪BU ‪57. وأطلقت، للهدف نفسه، غوّاصات أميركية مُبحرة في المياه الدولية 30 صاروخاً من طراز توماهوك. لا شيء انطلق من قطر أو أيّ دولة خليجية.

تقصّدت الولايات المتّحدة عدم استخدام أيّ قواعد أو تسهيلات عسكرية لها في البلدان المنتشرة حول إيران من كلّ الجهات. وربّما كان وراء القصد إعراضُ دول المنطقة عن السماح لواشنطن باستخدام أراضيها لضرب الداخل الإيراني. كانت كلّ الدول المعنيّة في الخليج قد رفضت أن يستخدم الأميركيون قواعدهم لديها لضرب جماعة الحوثي في اليمن، فمن الطبيعي أن لا يسمحوا بذلك ضدّ إيران، خصوصاً أنّ دول الخليج، كما كلّ الدول العربية، أدانت بالجملة والمفرّق الحرب الإسرائيلية ضدّ إيران، وأبدت مواقف متحيّزة تماماً مع إيران. وعلى الرغم من ذلك اعتدت إيران على قطر.

لماذا قاعدة العديد؟

تنتشر القواعد الأميركية في بلدان غير عربية قريبة وبعيدة عن إيران تطالها صواريخها البالستية ومسيّراتها الشهيرة. جرى الحديث كثيراً عن إنجرليك في تركيا وجزيرة دييغو غارسيا البريطانية في المحيط الهندي وغيرهما. لكن بغضّ النظر عن الانتشار الأميركي على اليابسة، فإنّ الولايات المتّحدة تمتلك في مياه المنطقة عشرات من القطع البحريّة المختلفة الأحجام، وبعضها استراتيجيّ في المنظومة العسكرية الأميركية. كانت أمام طهران مروحة واسعة من الخيارات السهلة عسكريّاً لصبّ انتقامها مباشرة على أهداف أميركية مباشرة، لكنّ إيران اختارت الاعتداء على قطر.

يعتقد في بعض الاحتمالات أنّ خيار قاعدة “العديد” الجوّية كان خياراً اتّفق عليه الأميركيون والإيرانيون. لن نجادل في الفرضيّات، لكن حتّى لو جرى ذلك، فإنّ إيران التي تملك مع قطر بالذات علاقات متقدّمة وممتازة لطالما كانت محلّ انتقاد أحياناً من داخل دول الخليج، ارتكبت فعلتها من دون أيّ حساب. أرادت إيران إنهاء حربها مع إسرائيل وردّ الغضب الناريّ الأميركي الساحق، وربّما التأسيس لفتح صفحة ودّ وصداقة وشراكة مع الولايات المتّحدة كما يبشّر رئيسها. ولا بأس من أجل ذلك أن تستسهل قصف بلد خليجيّ مثبتهً بذلك عداءها التقليدي الذي لا يتبدّل مع الخليج.

بطاقة اعتذار إيرانيّة

تولّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطييب خاطر قطر والتعبير عن وقوف بلاده معها.  أخرج الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من جعبته في اتّصال مع الأمير تميم بن حمد آل ثاني بطاقة اعتذار اعتبر من خلالها، بتشاطر أهل “البازار”، أنّ قصف “العديد” لا يستهدف قطر. كانت الدوحة قد عبّرت عن سخط وغضب واستنكار ورفض لانتهاك أجوائها وسيادتها. وبدا أنّ غضب كلّ دول مجلس التعاون الخليجي كان شاملاً صاخباً حادّاً حازماً مُديناً ما ارتكبته إيران بحقّ دولة لطالما كانت من الدول القليلة الصديقة لإيران في المنطقة.

الاعتداء على قطر هو اعتداء على المجموعة الخليجية برمّتها، التي كانت تجاوزت محنة العقود الأخيرة الصعبة مع إيران إلى حدّ إبرام “اتّفاق بكين” بين طهران والرياض برعاية الصين في آذار 2023. والاعتداء على قطر هو اعتداء على منطقة أجمعت دولها على الوقوف إلى جانب إيران في الحرب الأخيرة والضغط على الإدارة في واشنطن لوقفها، وفق ما كشف ترامب نفسه.

تواصل قادة دول الخليج مع الأمير تميم. زاره الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد متضامناً. الحدث خليجيٌّ بامتياز يطرح أمام البلدان الستّة أسئلة الأمن التي تستعيد هواجس خُيّل تجاوزها. يثير الاعتداء على قطر تساؤلات عن مستقبل معادلات الردع الخليجي، وجدوى التحالفات الدفاعية التقليدية مع الولايات المتّحدة، التي استند إليها أمن الخليج لسنوات، في وقت يتسبّب نزاع إيراني أميركي في تعريض أمن الخليج للخطر. 

لإعادة مراجعة الاستراتيجية الدّفاعيّة

قام مجلس التعاون لدول الخليج العربي على خلفيّة أخطار حمَلتها إيران للمنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. نشأ المجلس عام 1981 بعد عامين من ذلك التاريخ وبعد عام من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. تعود إيران لتذكّر أنّها ما زالت هذا الخطر حتّى لو تغيّرت وجوه وسال عسل في بعض الكلام.

يطرح الأمر تحدّياً على هذه المجموعة الإقليمية بما تملكه من ديناميّة قيادة للمنطقة. وهي مدعوّة إلى إعادة مراجعة استراتيجياتها الدفاعية، وربّما أن تكون، من ضمن هذه المراجعة، حاضرة داخل الملفّات التي تتدافع وتتراكم على طاولة المفاوضات العتيدة بين واشنطن وطهران.

محمد قواص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.