“مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك” للفصل الثالث: إنتعاش خجول

0

أظهر “مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” للفصل الثالث من سنة 2025 (Q3 – 2025) استمرار الانتعاش في الأسواق إنما على نحو خجول وبطيء.

وجاء في المؤشر: “لقد برزت خلال الربع الثالث لسنة 2025 بعض العلامات التي توحي بانتعاش بسيط – نتيجة لموسم اصطياف “مقبول” ولكن أقلّ من المتوقـّـع مع قدوم المغتربين، ومع محاولات إصلاحية على عدّة أصعدة، مع إشارات إيجابية جاءت من أكثر من جهة بأن يشهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً فعلياً بحدود 5 % (بعد تراجع مستمر طوال السنوات السابقة).

وقد أظهرت الحركة التجارية استمراراً للتحسـّـن “النسبي” الذي كنا قد شهدناه في الفصل السابق، حيث جاءت النتائج الفصلية مشجـّـعة، والمـُـرتجى المزيد من الحيوية في الحركة الاستهلاكية.

وبالأرقام، سجـّـل “مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” للفصل الثالث من سنة 2025 مستوى 33.89 (بالمقارنة مع 33.13 في الفصل السابق)، بعد الإشارة الى أن المؤشر الأساس (100) الذي قد تم تبنـّـيه هو للفصل الرابع لسنة 2019، وأن تضخم الأسعار خلال الفصل الثالث من سنة 2025، وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، بلغ + 2.50 % (بالمقارنة مع + 2.76 % في الفصل السابق له).

ومع افتراض استمرار التقدّم في المحاولات الإصلاحية، كما والتحسـّـن في السياحة والاستهلاك – لا سيما في موسم الأعياد القادمة، وعودة التدفـّـقات الرأسمالية – ولو ظلـّـت محدودة (مع بشائر إيجابية لمؤتمر بيروت واحد الذى تم عقده في 18 و 19 تشرين الثاني من هذه السنة)، يبدو أن معنويات المستثمرين بدأت بالتحسـّـن: على سبيل المثال، شهدت سندات اليوروبوند اللبنانية (الدين المتعثــّـر) خلال هذه الفترة ارتفاعاً في السعر (إلى ~ 18 سنتاً للدولار).

إنما يتوجـّـب علينا الدراية بأن القيود الهيكلية العميقة لا تزال قائمة.

عليه، وبالرغم من الإشارات التى توحي بإنتعاش خجول، لا يزال إقتصاد لبنان أقلّ من حجمه في 2019 (من حيث القيمة الحقيقية)، ولا يزال التضخـّـم مرتفعاً بالرغم من التباطؤ الملحوظ في الآونة الأخيرة، وما زالت البطالة، وإقفال المؤسسات، والأضرار المتبقية من النزاعات السابقة، شديدة التأثير ( هنالك تقارير صادرة عن مؤسسات دولية تذكر أن ~ 15 % من المؤسسات أُغلقت نهائياً، ~ 21 % أُغلقت مؤقتاً، وملاحظة خسائر كبيرة في وظائف القطاع الخاص).

نتيجة لكل ما سبق، وصل “مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” الى مستوى 33.89 في الفصل الثالث من سنة 2025 (33.13 في الفصل السابق) مع تسجيل تحسـّـن حقيقي فصلي طفيف في النتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة، متضمنة مبيعات المحروقات التي شهدت هي الأخرى ارتفاعاً بنسبة + 6.24 % من حيث الكميات (+ 3.51 % في الفصل السابق).

وقد سجـّـلت أرقام الأعمال المجمـّـعة لكافة القطاعات، بعد استثناء قطاع المحروقات، تراجعاً فصلياً حقيقياً طفيفاً عمـّـا كانت عليه في الفصل السابق، حيث بلغت نسبة هذا التراجع – 0.45 % فقط بالمقارنة مع أرقام الفصل الثاني لسنة 2025، إنما أظهرت تلك النتائج في المقابل تراجعاً أكثر دلالة بالمقارنة مع ما كانت عليه في الفصل الثالث من السنة الماضية، حيث أشارت النتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة الى انخفاض سنوي حقيقي بلغ – 8.53 %، بعد استثناء قطاع المحروقات.

أمـّـأ لجهة التضخـّـم، فقد بلغت نسبة التضخـّـم السنوية في الفصل الثالث لهذه السنة + 15.06 %، مسجـّـلة بذلك انخفاضاً بأكثر من 50 % بالمقارنة مع ما كانت قد سجـّـلته في الفصل الثالث لسنة 2024 (+ 32.92 %)، في حين تباطأت نسبة التضخـّـم الفصلية (أي ما بين الفصل الثاني والفصل الثالث لسنة 2025) بنسبة خجولة من مستوى + 2.76 % الى + 2.50 %، مع التمنـّـي بأن يستمرّ هذا التباطؤ وأن يرافقه استعادة تدريجية للقدرة الشرائية لدى الأسر اللبنانية، وتفعيلاً للنشاط الاستهلاكي في الأسواق.

ومع استمرار المصرف المركزي بسياسة ضبط الكتلة النقدية والحد من تمويل الدولة مباشرةً، يبدو أن العوامل الإيجابية التى تؤثر على نسبة التضخـّم باتت تتبلور نتائجها، ولو ببطء في الأرقام الفصلية التى نشهدها.

لكن الاستقرار الظاهري في سعر الصرف وتراجع نسبة التضخـّـم مؤخراً لم يترجم بعد إلى تحسّن فعلي في القدرة الشرائية، وعليه في النشاط الاستهلاكي.

إذاً، يبقى أن التحدّي الأكبر الذي تواجهه الدولة يكمن حالياً في القدرة على إعادة هيكلة القطاع المصرفي من دون فقدان الثقة أو تعميق الأزمات الاجتماعية، والتوصـّـل الى إقرار قانون الفجوة المالية بما يتماشى مع الواقع الفعلي لهذه الأزمة التي، وخلافاً لما يحاول أن يروّجه البعض، هي أزمة نظامية. الأمر الذي قد يؤدّي حينئذ الى إحراز تقدّم فعلي نحو اتفاق متوازن ومنصف مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي مساعدة المصارف في استعادة دورها المحوري في الحياة الاقتصادية، تحسّـن فعلي في المزاج الاستثماري وجذب الأموال الطازجة والاستثمارات.

علاوة على اتخاذ تدابير صارمة لكبح الدورة التجارية غير الشرعية وتكثيف الإجراءات في مكافحة الفساد في الإدارات، علاوة على باقي الإصلاحات والإجراءات المطلوبة من قٍبل الشركاء الدوليين.

والى أن تتبلور تلك المقتضيات، من تنفيذ الإصلاحات بفعالية، والسيطرة على التضخّم، وتأمين استثمارات خارجية، يُحتمل أن يبقى الانتعاش هشّاً، مع تفاقم الضغوط الاجتماعية وعدم تعزيز القدرة الشرائية والاستهلاك، واستمرار حالة الترقـّـب والتحسـّـن البطيء

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.