ماذا ستقدّم تركيا للأكراد بعد تسليم السّلاح؟

34

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

قبل بضعة أسابيع، انتهت حربٌ طويلةٌ ودامية استمرّت أكثر من أربعة عقود، شنّت خلالها الجماعة الكردية المسلّحة المعروفة باسم حزب العمّال الكردستاني تمرّداً ضدّ الدولة التركيّة، خلّف نحو 40 ألف قتيل، وأعاد رسم ملامح حياة الملايين.

يقول الصحافي الأميركي المخضرم روبرت فورسيث وورث، الرئيس السابق لمكتب صحيفة “نيويورك تايمز” في بيروت، إنّ هذا الحدث المهمّ الذي يتمثّل في إعلان حزب العمّال الكردستاني في 12 أيّار أنّه “أنجز مهمّته التاريخية” وأنهى الكفاح المسلّح الذي خاضه منذ عام 1984، لم يحظَ عالميّاً بالاهتمام الذي يستحقّه، لا سيما أنّ من غير الواضح حتّى الآن ما الذي سيجنيه الحزب أو الأكراد على نطاق أوسع من قرار الجماعة نبذ العنف والتركيز بدلاً من ذلك على “بناء مجتمع ديمقراطي”، كما جاء في إعلانهم.

يعتقد وورث أنّ الحكومة التركية تتمتّع الآن بفرصة لتعزيز السلام من خلال منح نوع من العفو لمقاتلي حزب العمّال الكردستاني، الذين لم يسلّموا أسلحتهم الكثيرة بعد، ومعالجة المظالم التي أشعلت شرارة الحرب وأولاها منح المزيد من الحقوق الثقافية واحترام الأكراد الذين يشكّلون حوالي 18% من سكّان تركيا ويوجدون في سوريا والعراق وإيران، حيث كان لتمرّد حزب العمّال الكردستاني آثار جانبية مهمّة.

يحذّر وورث من أنّه إذا لم تغتنم تركيا الفرصة، فقد يندلع الصراع مرّة أخرى، مذكّراً بأنّ ذلك حدث من قبل، حين انهارت محادثات السلام بين الدولة وحزب العمّال الكردستاني عام 2015 وكانت العواقب قصف مدن وبلدات جنوب شرق تركيا، ومقتل أكثر من ألف شخص في الأشهر التالية، وسجن آلاف النشطاء وأعضاء الأحزاب المؤيّدة للأكراد بتهمٍ ملفّقة ولا يزال الكثيرون منهم هناك.

المطلوب تنازلات سياسيّة

وفقاً لوورث يتوقّع الحزب تنازلات سياسية من تركيا، تشمل العفو عن مقاتليه واعترافاً أوسع بالحقوق السياسية والثقافية للأكراد، ويعتبر قادته أنّ خطوتهم الأخيرة ليست استسلاماً بقدر ما هي بداية مرحلة جديدة في حركتهم، التي لطالما روّجت لأيديولوجية – يسارية، علمانية، وبيئية تتعارض مع سلطويّة إردوغان الإسلامية. وقد تجلّى ذلك في الفيديو الذي نشرته الجماعة الأسبوع الماضي، والذي يُظهر مجموعة من قادتها بزيّ قتالي، وهم يردّدون قسماً لأوجلان. وقالوا بصوت واحد: “سنقاتل ضدّ النظام المُهيمن الذي يعبد الدولة ويُسيطر على حضارتنا، ونحافظ على جميع القيم التي أسّسها حزب العمّال الكردستاني”.

يعتبر وورث أنّ الحكومة التركية كانت حذرة للغاية في تعليقاتها على أوجلان وقرار حزب العمّال الكردستاني، لكنّ جدوى الترتيب الجديد ستعتمد على ما تقدّمه أنقرة للحزب مقابل التخلّي عن أسلحته. ونُقل عن أليزا ماركوس، مؤلّفة كتاب “الدم والإيمان”، وهو تاريخ الحركة، أنّه “إذا قدّموا القليل جدّاً، فهذه مشكلة لحزب العمّال الكردستاني وداعميه، وإذا بدا أنّ الحكومة تُفرط في منح الدعم، فقد يُغضب ذلك شركاء إردوغان اليمينيّين القوميين في الائتلاف، الذين يميلون إلى اعتبار الأكراد تهديداً للوحدة التركية. مثلاً، من غير المرجّح إطلاق سراح أوجلان، وقد يحصل كبار نوّابه على نوع من اللجوء في دول أخرى. لكن قد يُسمح للعديد من أعضاء حزب العمّال الكردستاني العاديّين بالعودة إلى حياتهم السابقة”.

في سوريا الأكراد غير ملزمين

لكن في رأي وورث، “تكمن إحدى نقاط الانقسام المحتملة في سوريا، حيث أدار فرع لحزب العمّال الكردستاني دويلة بحكم الأمر الواقع في شمال شرق البلاد على مدى العقد الماضي، معلناً أوجلان زعيماً أيديولوجيّاً له. وقد صرّح إردوغان بأنّ الإعلان الجديد سينطبق على الفرع السوري، المعروف باسم قوات سوريا الديمقراطية. لكنّ قادة قوّات سوريا الديمقراطية أوضحوا أنّهم لن يكونوا ملزمين به.

داخل تركيا، وبغضّ النظر عن نتيجة التفاوض السياسي بين إردوغان وحزب العمّال الكردستاني، يتوقّع وورث “أن تكون جهود السلام أكثر احتمالاً للصمود من سابقاتها. إذ إنّ حزب العمّال الكردستاني فقد بعضاً من مزاياه السابقة، بينما طوّر الجيش التركي طائرات بدون طيّار قاتلة وتقنيّات أخرى تسمح له بحصار القادة الأكراد حتّى في معاقلهم النائية في جبال قنديل بكردستان العراق. والعديد من الأكراد سئموا الحرب التي جعلت حياتهم بائسة لعقود.

بحسب وورث، لدى الأكراد أيضاً ما يقدّمونه لإردوغان. فقد ألمح الرئيس التركي عبر وكلائه إلى أنّه يريد تغيير الدستور التركي حتّى يتمكّن من البقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته الثانية رئيساً في عام 2028، لكنّ هذا سيكون صعباً بدون دعم الأحزاب السياسية الكردية.

إلى ذلك يرغب الأكراد في رؤية دستور منقّح: دستور من شأنه تعديل تعريف الجنسية التركية، التي أصبحت الآن مؤطّرة بمصطلحات عرقية تجعلهم يشعرون بالإقصاء، إلى نموذج أكثر مدنيّة. لم يقترح إردوغان في الواقع هذه المقايضة الساخرة أبداً، لكنّ تعليقات بعض حلفائه تشير إلى أنّها في صميم الاتّفاق المفترض مع حزب العمّال الكردستاني. إذا كان الأمر كذلك، فهو يخاطر. من المرجّح أن يتطلّب تغيير الدستور استفتاءً شعبيّاً، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ معظم الأتراك يعارضون تعديلاً يسمح للرئيس بولاية ثالثة. حتّى الأكراد قد يتردّدون.

توقّعات الأكراد عالية

ينقل وورث عن جيلان أكشا، النائبة البرلمانية عن مدينة ديار بكر، جنوب شرق تركيا، الممثّلة للحزب المؤيّد للأكراد المعروف باسم “ديم”، قولها: “إذا لم يكن الدستور ديمقراطياً، فلن يصوّت الناس له. لدى العديد من الأكراد العاديّين توقّعات عالية. فهم يأملون إطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد من السجون، وتسامح أكبر مع لغتهم وثقافتهم، ومراجعة قانون مكافحة الإرهاب في البلاد، الذي كُتب الآن بطريقة تبدو أنّها تستهدف الأكراد. هم يريدون، قبل كلّ شيء، فهماً أكثر شمولاً لما يعنيه أن تكون مواطناً تركيّاً، سواء تجسّد ذلك في الدستور أو في سياسات الحكومة”.

تنقّلت أكشا في أنحاء تركيا في الأسابيع الأخيرة، برفقة مشرّعين آخرين، وعقدت اجتماعات لمساعدة الأكراد العاديّين على فهم قرار حزب العمّال الكردستاني بوقف القتال. وتشير إلى أنّ “العديد من اللقاءات كانت مؤلمة عاطفيّاً، فالكثير من المشاركين فقدوا أفراداً من عائلاتهم في التمرّد. رأيت الكثير من الناس يبكون وهم يشاهدون الإعلان. إنّها نهاية حقبة. والآن هو الوقت المناسب للدولة لتخبرهم أن لا داعي للخوف”.

إيمان شمص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.