من السّاحل.. إلى معارك السّويداء: القلق يزداد على سوريا
بقلم د. فادي الأحمر
«اساس ميديا»
في عام 1983 دارت ما تُعرف بـ “حرب الجبل” في لبنان. كنت يافعاً. سمعت حينها عن تجاوزات حصلت بحقّ بعض مشايخ الدروز. فكان ردّ فعل الطائفة كبيراً ودمويّاً. حصلت مجازر بحقّ المسيحيين سقط بنتيجتها حوالي 700 من أهالي الجبل. وكان لإسرائيل دور كبير في التجاوزات والمجازر.
طبعاً لا تهدف العودة إلى تلك الأحداث إلى نكء الجراح. فالمسيحيون والدروز تخطّوا تلك الحرب ومآسيها. تعلّموا منها. تصالحوا في الجبل في لقاء تاريخيّ جمع البطريرك الراحل نصرالله صفير والزعيم الدرزيّ وليد جنبلاط (آب 2001). وقد أوصى هذا الأخير نجله التمسّك بالمصالحة عندما سلّمه شعلة قيادة الطائفة. إنّما التذكير بتلك الأحداث موجّه إلى الجار السوريّ، علّه يتّعظ ويتعلّم.
قصّ الشوارب!
بالانتقال إلى سوريا، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعيّ خلال معارك السويداء وبعدها العديد من الفيديوهات عن الاعتداءات والتجاوزات.
ما حدث في السويداء خطير. لا نتكلّم فقط عن المعارك العسكريّة التي سقط فيها أكثر من مئتين وغالبيّتهم من المدنيين، إضافة إلى الجرحى، ولكن خاصّة عن التجاوزات التي رافقت تلك المعارك. وهذه بدأت لحظة اعتقال الشابّ الدرزيّ وتحميله رسالة تهديد ووعيد للدروز وتضمّنت كلمات نابية، كما قال لنا الكاتب والسياسيّ السوريّ جبر الشوفيّ في مقابلة في برنامج “بالأساس”. الأحداث التي تبعت أكّدت الرسالة. اعتداء على الأفراد والممتلكات فاضطرّ الرئيس أحمد الشرع إلى إصدار بيان كلّف بموجبه الجهات الرقابيّة باتّخاذ الإجراءات الفوريّة بحقّ كلّ من ارتكب أيّ تجاوز، مهما كانت رتبته.
تطرّف وفوضى
عندما ارتُكبت المجازر في الساحل السوريّ قيل إنّها من فعل فصائل عسكريّة متطرّفة ضدّ فلول النظام السابق. حينها سقط أكثر من 1,000 قتيل. العديد منهم نساء وأطفال. كانت تلك الأحداث أوّل اختبار لسلطة الشرع. ولكن تمّ تجاوزها على اعتبار أنّ النظام السابق وفلوله الذين هاجموا القوى الأمنيّة في الساحل ارتكبوا الفظائع بحقّ السوريين. وما ارتكب بحقّهم هو ردّ فعل عفويّ على نصف قرن من الاضطهاد والتنكيل والاعتقال والقتل تحت التعذيب.
حصلت فيما بعد أحداث جرمانا وأشرفيّة صحنايا ذات الغالبيّة الدرزيّة. بعدها وقع انفجار كنيسة مار إلياس وتقصير النظام في التعامل معه، وخروج خطاب مسيحيّ متشدّد عبّر عن هواجس عميقة… كلّ ذلك لا يشير إلى أنّ سوريا سائرة على طريق التعافي والاستقرار، ويدفعنا إلى تسجيل بعض الملاحظات:
بين الكلام والأفعال
- الفرق بين خطاب أحمد الشرع عن دولة المواطنة والمشاركة والمساواة بين كلّ السوريين، وما يُمارَس بحقّ السوريين على أرض الواقع.
- هناك اختلاف كبير بين سياسة المسامحة والانفتاح التي انتهجها أحمد الشرع منذ انطلاقه من إدلب وصولاً إلى دمشق والتي حقنت الكثير من الدماء، وبين الممارسات التي يقوم بها الجيش والقوى الأمنيّة السوريّة، إضافة الى الفصائل غير المنضوية فيها.
- القول إنّ التحدّيات أمام الشرع كبيرة صحيح، لكنّه لا يبرّر الفوضى المسيطرة على المناطق التي تقع تحت سلطة النظام الجديد والتي تقوم بها فصائل عسكريّة قريبة منه.
- القول إنّ التركة التي ورثها الشرع عن نظام الأسد ثقيلة وبناء سوريا يتطلّب وقتاً طويلاً صحيح، لكنّه لا يبرّر التأخير في البدء بالعدالة الانتقالية لمحاكمة مجرمي النظام السابق ولإنصاف ضحاياه، وهم بمئات الآلاف.
الشّرعيّة من السّوريّين
كلّ السوريّين في الداخل والخارج يسجّلون لأحمد الشرع نجاحه في الحصول على الشرعيّة الإقليميّة والدوليّة. ولكنّهم يسجّلون عليه عدم سعيه إلى الحصول على الشرعيّة من السوريّين. منذ وصوله إلى دمشق وتسلّمه زمام السلطة اهتمّ الشرع بطمأنة الخارج إلى أنّ سوريا خرجت من سياسة المحاور الإقليميّة وتريد المصالحة مع المحيط العربيّ والإقليمي والمجتمع الدوليّ. ونجح في ذلك. ولكنّه أهمل الداخل. لم يعمل على طمأنة السوريين إلى مشاركتهم في بناء سوريا الجديدة. المؤتمر الوطنيّ كان فولكلوريّاً. والإعلان الدستوريّ جاء مخيّباً لآمال غالبيّة السوريّين، خاصّة أبناء الأقلّيات الدينيّة والطائفيّة والقوميّة منهم.
عقد اجتماعيّ جديد
إنّ ما تحتاج إليه سوريا هو عقد اجتماعي جديد، خاصّة أنّ أكبر دمار خلّفه النظام السابق هو في المجتمع السوريّ نفسه. عقد اجتماعي يقيم المصالحة بين أبناء الشعب السوريّ ويصالح السوريّين مع دولتهم. وهذا يتطلّب حواراً وطنيّاً جدّيّاً وجامعاً يشمل كلّ المكوّنات السوريّة بمن فيهم الطائفة العلويّة التي كان ينتمي إليها الأسد وأزلامه، ويضمّ الشخصيّات السوريّة التي ناضلت عقوداً ضدّ نظام الأسد وتمّ استبعادها، ويؤسّس لنظام جامع لكلّ السوريين وليس لنظام محاصصة على أسس دينيّة وطائفيّة وقوميّة على الطريقة اللبنانيّة أو العراقيّة. يرتكز هذا النظام على أسس جامعة يتطلّع إليها كلّ السوريين، وهي الديمقراطيّة والمساواة والمواطنة ومدنيّة الدولة والمشاركة.
د. فادي الأحمر
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.