من سيطيح الانتخابات النّيابيّة؟

7

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

تفصل ثمانية أشهر تقريباً عن الانتخابات النيابيّة من دون أن تتّضح معالم قانون الانتخابات ولا مصيرها، بعدما رمى مجلس النوّاب الكرة للحكومة، التي رمتها مجدّداً بين أيادي النوّاب. لا شيء جديداً في “العلك” النيابيّ والوزاريّ المستمرّ منذ أشهر، باستثناء تطوّر أساسيّ اقتحم فجأة الساحة اللبنانيّة، قد تكون له تأثيراته المباشرة وغير المباشرة، وهو الانفتاح غير المسبوق، منذ انهيار حقبة الـ”سين- سين”، لـ”الحزب” على السعوديّة، ورصد نتائجه على أكثر من مستوى، بما في ذلك الانتخابات النيابيّة. وفي يوم الخطاب نفسه وصل إلى بيروت المبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان والتقى ليلاً الرئيس عون قبل سفره إلى نيويورك.

أغلقت الحكومة كلّ الأبواب أمام مجلس النوّاب في شأن دور ما لها حيال قانون الانتخاب، في ظلّ كباش حادّ بين القوى السياسية على بنوده.

في التقرير الذي أعدّته اللجنة الوزاريّة السداسيّة بعنوان “مراجعة قانون الانتخاب“، في ما يتعلّق باقتراع غير المقيمين وتحديد ستّة مقاعد نيابيّة لهم، إضافة إلى البطاقة الممغنطة، والذي عَرَضَه وزير الداخليّة أحمد الحجّار على مجلس الوزراء في جلسة 16 أيلول، رسّمت الحكومة حدود دورها حيال إعداد القانون:

– المادّة 123 من قانون الانتخاب لا تولي السلطة التنفيذية صلاحيّة تعديل أو استكمال القانون، أو ملء الثغرات، بل تعيين لجنة تطبّق دقائق القانون.

– المادّة 122 تعطي مجلس الوزراء حصراً صلاحيّة اتّخاذ القرار بتخفيض عدد النوّاب إلى 128، بعد أن يكون قد تمّ رفعه إلى 134.

– المادّة 124 تحصر صلاحيّة مجلس الوزراء بتحديد دقائق تطبيق القانون، وهو ما يحجب عنه صلاحيّة استكماله واتّخاذ قرارات تمسّ جوهره.

– الأخطر من كلّ ذلك، كما ورد حرفيّاً في التقرير، أنّ القانون قد أخضع قرارات مجلس الوزراء لأكثريّة الثلثين. وهو ما يعني أنّ عدم الاستحصال على هذه الأكثريّة يُعطّل بتّ أيّ من المسائل المطروحة، فتكون الانتخابات أمام فجوة قانونيّة. تطبيق الأكثريّة الموصوفة المحدّدة في القانون يؤكّد أنّ المشترع لم يترك أمر بتّ المسائل النزاعيّة إلّا لنفسه. هذا يعني أنّ الحكومة اعترفت، بشكل غير مباشر، بوجود “أزمة” سياسيّة بشأن القانون، قد لا يكون مجلس الوزراء قادراً على بتّها لمصلحة أيّ فريق. 

ثغرات القانون

هكذا قالت الحكومة كلمتها ونزعت، بالقانون، أيّ صفة تقريريّة لها حيال بتّه. أكثر من ذلك شرّحت ثغراته المتعدّدة:

– في انتخاب غير المقيمين تحدّثت عن تضارب في النصوص في ما يتعلّق بإضافة ستّة مقاعد لغير المقيمين (المادّة 122) ليصبح عدد أعضاء مجلس النواب 134، ثمّ إعادة تخفيضه إلى 128 من الطوائف نفسها التي خُصّصت لغير المقيمين.

– عدم تحديد القانون القارّات الستّ، “حيث إنّ ما يتمّ اعتماده في المعاجم يراوح بين اعتماد خمس قارّات، وهي أميركا، أوروبا، آسيا، إفريقيا، وأوسيانيا، وعندما تتمّ الإشارة إلى ستّ قارّات فهل تتمّ إضافة قارّة سادسة، وهي القطب الجنوبي  Antarctica، أو تقسيم القارّة الأميركية إلى أميركيّتين. ومن غير المنطقي أن يقوم مجلس الوزراء بتوزيع المقاعد على أساس طائفيّ، نظراً لدقّة المسألة وبعدها الدستوريّ الذي يخرج عن صلاحيّته”.

– تضارب النصوص في حقّ الترشيح.

– غياب الإطار القانونيّ التفصيليّ للمقاعد الستّة في الخارج، غموض  نظام الاقتراع في الخارج، غياب النصوص المتعلّقة بشروط وإجراءات الترشّح في الخارج، محدوديّة صلاحيّات هيئة الإشراف على الانتخابات في الخارج، وغياب النصوص القانونية عن الحملات الانتخابيّة في الخارج ومراقبتها وتلك المتعلّقة بفتح حسابات مصرفيّة للمرشّحين.

– في ما يتعلّق بالبطاقة الممغنطة (المادّة 84)، تعترف وزارة الداخلية بعدم امتلاكها التجهيزات والوسائل اللوجستيّة لإصدار هذه البطاقة، لكنّها قادرة على الرغم من محدوديّة الإمكانات على اعتماد نظام QR code.

لبّ “المَشكل“

في الخلاصة رأت اللجنة الوزاريّة أنّ تنظيم الانتخابات على أساس ستّة مقاعد مخصّصة لغير المقيمين والبطاقة الممغنطة يتطلّبان تعديلاً للقانون 44/2017، لا مراسيم صادرة عن الحكومة وحسب.

لكنّ اللافت أنّ اللجنة، في تقريرها، عرضت على الحكومة تحضير مشروع قانون في شأن “تعليق أو إلغاء الموادّ المتعلّقة بتخصيص ستّة مقاعد للمغتربين، أو استكمال النواقص، وإلغاء اعتماد البطاقة الممغنطة واستبدالها بآليّة الـQR code. إذاً شكّل الاقتراح لبّ “المَشكل” بين وزراء “الكتائب” و”القوّات” مع الرئيس نوّاف سلام خلال الجلسة، لكنّ قرار رئيس الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهوريّة كان في إبعاد كرة القانون كليّاً عن السلطة التنفيذية.

من جعجع لبرّيّ

بمطلق الأحوال، لا تتوقّع مصادر نيابيّة أن تَحسم اللجنة النيابيّة الفرعية المكلّفة درس قانون الانتخاب الجدل في شأن القانون، بعد نفض الحكومة يدها، على أن تستقرّ الكرة بالنهاية في ملعب الهيئة العامّة لمجلس النوّاب. كالعادة سيسبقها القرار السياسي بتحديد الوجهة النهائيّة للقانون، التي لا تزال محطّ كباش سياسيّ حادّ.

سَبَقَ “نداء” رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع للرئيس نبيه برّي “لمناقشة أيّ اقتراح لديكم”، بناءً على مقال نُشر في موقع “أساس”، الدعوة المفاجِئة التي وجّهها الشيخ نعيم قاسم للسعوديّة من أجل “الحوار وفتح صفحة جديدة مع المقاومة”.

هي دعوة تُرصد بقلق كبير لدى مناوئي “الحزب”، ومؤيّديه في الوقت نفسه، لأنّها أتت من خارج سياق الأحداث. منذ الآن بدأت تُرسَم السيناريوهات لأيّ تقارب محتمل أو “تطنيش” سعوديّ عن الدعوة، خصوصاً، وفق رأي خبراء انتخابيّين، أنّ كسر الجليد بين الطرفين ستكون له حتماً تأثيرات مباشرة في الانتخابات النيابية المقبلة.

تتقدّم “القوّات” جبهة الداعين إلى حسم الهيئة العامّة لمجلس النوّاب هويّة القانون، على أن يسبق اجتماعَ الهيئة حوارُ الضرورة في ما قال بري إنّه “المشروع البديل” لديه في حال لم يتمّ السير بالقانون الحاليّ، الذي باتت كلّ القوى السياسية تسلّم بأنّ هناك استحالة لتطبيقه من دون تعديلات أساسيّة عليه، خصوصاً لجهة أزمة المغتربين ومقاعدهم.

حتّى الآن يتمسّك “الحزب” والرئيس برّي برفض مشاركة غير المقيمين بالاقتراع لـ 128 نائباً، مع طرح الأخير خيارين يصعب السير بهما: تطبيق القانون الحاليّ، أو اقتراح القانون الذي قدّمه النائب علي حسن خليل تطبيقاً لاتّفاق الطائف (مجلس شيوخ ومجلس نيابيّ خارج القيد الطائفي).

أمّا مصير الانتخابات فقد دخل مرحلة “التشكُّك” المشروع في حصولها لسببين أساسيَّين: الخلاف السياسي الكبير على القانون، والعامل الإسرائيلي الذي قد يُصعّد عمليّاته العسكرية بشكل كبير، ربطاً بملفّ نزع السلاح، وما بينهما تقاطع مصالح بين أضداد على عدم إجرائها.

ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.