من قال التاريخٌ لا يُعيد نفْسَه؟!
ميرفت سيوفي
أخطأ من قال أنّ التّاريخ لا يُعيد نفسه، ولم يخطىء من قال ما أشبه اليوم بالأمس، الصراع على هويّة لبنان وسلاح حزب الله الذي فقد قيمته ودوره منذ فجّرت إسرائيل معظم مستودعاته وأثبتت أنّ ما كان يُسمّى “توازن الرّعب” لم يكن إلّا وهماً، بالأمس أدخلت إسرائيل لبنان في مرحلة تهديد خبيث استهدف الجيش اللبناني واتهمته بالتعاون مع حزب الله، وبالطبع “البركة” في إيران التي خرج منها من يدّعي أن أبناء الطائفة الشيعية بالنّهار هم جنود في الجيش اللبناني وبعد الدوام هم جنود في جيش الولي الفقيه، إيران مصرّة على إعطاء الذرائع لإسرائيل، فقد خرج علينا الجنرال أحمد وحيدي رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات المسلّحة الإيرانيّة بقوله خلال مؤتمر هو الأول حمل عنوان “فداء القدس” متحدّياً إسرائيل بأنّها “لا تجرؤ على خوض حرب بريّة مع حزب الله في لبنان”، وكأنّ وحيدي يُحرّض ويستفزّ إسرائيل لتقوم باجتياح لبنان، وقبل وحيدي رُفعِت في طهران في قلب طهران تخاطب إسرائيل مباشرة كُتِب عليها “هزيمة أخرى تنتظركم.. يا نهاريّا إستعدّي: للحرب القادمة”!!
سياسة إيران الوقحة لم تعدتُحتمل، لسنا فداء أحد في لبنان لا فداءَ للقدس ولا لطهران، “كفاها المولى” حروب وخراب ودمار منذ الـ 1969 حتى اليوم، شبعنا مبايعات للعروبة والقضية الفلسطينيّة واحتلالات سوريّة وإسرائيلية وإيرانيّة، وتخرج علينا اليوم أصوات على الدّولة أن تلتف إلى أصحابها الذين يرفعون الولاء للرئيس السوري أحمد الشرع، شبعنا ولاءات كاذبة، ولاؤنا وانتماؤنا الوحيد هو للبنان والدولة اللبنانيّة فقط لا غير.
وحتى لا ينحاز التفكير إلى غير مكانه ما تزال الأبعاد الحقيقيّة للدّورالفارسي مذ سقطت إمبراطورية الفرس وحتى اليوم قائمة على التآمر والتدمير والتعاومن مع كل عدوّ للعام العربي، حتى عايشنا سواءً تدمير غزّة ومسحها عن وجه أرض فلسطين، وتدمير ما دُمّر في لبنان وهو معرّض للهدم ثانية في حال إعادة إعماره، لأجل كلّ هذا بات من اليقين أن نصدّق أنّ التاريخ يعيد نفسه في لبنان سواءً تغيّرت الوجوه أو بقيت على حالها، وقد يكون من المفيد هنا أن نسترجع من هذا التاريخ أنّه فى 29 كانون الثاني عام (803م) “نَكَبَ” الخليفة العباسي هارون الرّشيد ـ وكانت في زمنه سلطة الدولة العباسيّة في عصرها الذهبي ـ “بنو برمك المجوس، وتعتبر تجربتهم أعتى تجارب الفرس في إعادة بناء الإمبراطوريّة الفارسيّة وقد تكون موازية لتجربة إيران اليوم ـ وهذه المحاولة الكبرى نُفّذت في عزّ قوة الخلافة الإسلاميّة العربيّة.
لا يعدو دور مرشد الجمهوريّة الإيرانيّة علي الخامنئي في هذه الإعادة التاريخية عن أن يكون يحيى برمكي آخر، وللمناسبة يعيد ابن خلدون نكبة البرامكة الى “استبدادهم على الدولة واحتجافهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من الأموال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره وشاركوه فى سلطانه، ولم يكن له منهم تصرف فى أمور ملكه ـ يعني بلغتنا اليوم دويلة داخل الدولة ـ فعظمت آثارهم وبَعُدَ صيتهم وعمروا مراتب الدولة وخططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم، واحتازها عمّن سواهم من وزارة وقيادة وحجابة وسيف وقلم”، أليس هذا هو حال حزب الله ضمن الدولة اللبنانيّة، يمارس سياسة “الدويلة” ضمن “الدّولة”، بل هو الدّولة ويدّعي أنّه الدويلة “تقيّة”، هذا هو السيناريو الفارسي الذي لم يتغيّر منذ “أبو مسلم الخراساني” وحتى اليوم!!
ميرفت سيوفي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.