نتنياهو يتحدّى العالم
كتب عوني الكعكي:
ما يجري في غزة اليوم ومنذ سنتين تقريباً.. لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية ولو ليوم واحد، عن قتل شعب أعزل، مسالم، لا يملك الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة.
ويكفي أن تسفر الحرب عن مقتل أكثر من 35 ألف طفل و50 ألف امرأة ورجل مسن. والغريب العجيب أنّ العالم بأسره، يقف متفرّجاً باستثناء التنديدات والتظاهرات التي ليس لها تأثير جدّي على مجريات هذه الحرب هناك.
صحيح أن بنيامين نتنياهو يخاف أن تتوقف العملية العسكرية لأنّ السجن في انتظاره. وصحيح أيضاً أنّ صرخة أهالي المخطوفين لم تهزّ ضمير نتنياهو… لأنّ الأمر بالنسبة له هو تحقيق مصلحته الشخصية، التي تقضي بممارسة شذوذه التلذّذ بقتل الأبرياء، تحت شعار محاربة الإرهاب.
والعملية الأخيرة التي قام بها جيش العدو الإسرائيلي بقصف مقر اجتماع قادة «حماس» في الدوحة، بهدف تعطيل عملية الحوار الدائرة حول توقيع اتفاقية لإنهاء الحرب. لأنّ نتنياهو كما أشرت، لا يريد وقف إطلاق النار. واللافت أنه وبعد مرور ما يقارب السنتين من عملية «طوفان الأقصى»، لا يزال المجرم السفّاح نتنياهو يهدّد باحتلال غزة. وهنا لا بدّ من التساؤل:
– ماذا يوجد في غزة اليوم… هل هناك أسلحة دمار شامل؟ الجواب هو النفي بالتأكيد. لأنّ حصار غزة لم يترك في القطاع سوى الجياع… ولكن يبدو أنّ النساء وما تبقى من أطفال في غزة، تقضّ مضاجع نتنياهو وتمنعه من النوم.. فيجد نفسه أمام وهم هو قتل الأشباح ومحاربة طواحين الهواء.
لست أدري، كيف يمكن للضمير العالمي أن يسكت عن هذه الجرائم والمجازر التي يرتكبها نتنياهو على مدار الساعة، وكأنّ الحسّ الإنساني عند الزعماء قد راح في إجازة طويلة، لتغاضيهم وسكوتهم على مجازر «النتن».
وما جرى في الأمم المتحدة من اعتراف بدولة فلسطين وحقّه في إقامة دولته.. هذا الإجماع الدولي زاد في رغبة نتنياهو ليقتل أكثر، ويُري العالم كله عدم اكتراثه. على كل حال مهما طال الزمن، فسيأتي اليوم الذي سيدفع فيه نتنياهو ثمن جرائمه، وحرب الإبادة التي أقدم عليها. وهذا اليوم ليس ببعيد، لأنّ ربّ العالمين يُـمهل ولا يُـهمل.
وهنا لا بدّ من التساؤل مجدداً: هل يتحوّل احتلال غزة -إن حصل- الى لعنة نتنياهو الأخيرة؟
إنّ نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في تصدّيه للمقاومة الفلسطينية البطلة منذ «طوفان الأقصى». وهو عاش في ظل إخفاق حملاته العسكرية المتتالية… وما محاولة اليوم، المتمثلة في خيار احتلال قطاع غزة بالكامل كحلّ أخير… إلاّ الدليل على عجز المؤسّسة العسكرية عن تحقيق أهدافها المعلنة.
وبين حسابات الربح والخسارة، تبدو الصراعات محتدمة داخل الدولة العبرية، وسط تباين واضح بين المستويين السياسي والعسكري، وتزايد المخاوف من الغرق في مستنقع استنزاف طويل الأمد.
وهنا، لا بدّ من التأكيد أنّ قرار الاحتلال باجتياح غزة، ليس خياراً استراتيجياً مدروساً بقدر ما هو اعتراف ضمني بفشل الخيارات السابقة، ومحاولة لخلط الأوراق مثل الدخول في استحقاقات سياسية أبرزها انتخابات الكنيست..
وللبرهنة على الفشل الذريع الذي تلقاه نتنياهو، إذ انطلاقاً من مبدأ أنّ أية حرب في أي مكان وزمان في العالم تعني خسارة. فإنّ الحالة الوحيدة في العالم التي تعاكس الطبيعة هي أن الذي يربح أي حرب يُعدّ خاسراً في النهاية.
لا نقول هذا الكلام كي نبرّر ما يحدث في غزة بعد 7 أكتوبر عام 2023، إذ إنه في اليوم الأول وخلال ساعات معدودة استطاع الفلسطينيون الأبطال شنّ أقوى هجوم على مستوطنات «غلاف غزة»، واستطاعوا أسر حوالى 250 أسيراً… واستمرّوا في الصمود وتحدّي عنتريات إسرائيل وآلتها العسكرية.
طبعاً، اليوم وصلت الخسائر البشرية الى أرقام تاريخية، إذ ان مساحة 365 كلم2، فيها 2 مليون مواطن فلسطيني مؤمنون يجابهون بصدورهم جميع آلات الدمار وأشد أنواع القذائف التي بعضها أصبح حقل تجارب.
وبالرغم من كل ذلك، فلا بدّ لنا من أن نقول شيئاً من «باب المعلومات» عن خسائر العدو الإسرائيلي على الصعيدين البشري والمالي. ولن أنسى الصفعة التي تلقاها نتنياهو بعد عملية «البيجر» التي نستذكرها بعد مرور عام، إذ رغم تكنولوجيته، وإجرامه في قتل وإصابة العديدين من المقاومين اللبنانيين، فإنّ عنترياته تلك لم تستطع أن «تعطيه» شارة النصر التي يتوق إليها ولن تصل إليه.
خلاصة القول: إنّ التوقيت الذي اختارته إسرائيل لإطلاق عمليتها العسكرية الجديدة ضد قطاع غزة، يكشف فشلاً واضحاً يُضاف الى الفشل في كل العمليات السابقة، في غزة وحتى في لبنان. فالجيش الإسرائيلي لم يقضِ على المقاومة ولن يقضي، ولم يحرّر الأسرى ولن يحرّرهم… لأنّ كل عمليات نتنياهو: «السيوف الحديدية» و «عربات جدعون» و «خطة الجنرالات» أضغاث أحلام، وسيكون خيار احتلال القطاع هو الخيار الأخير المتاح أمام نتنياهو، وهذا الخيار سيكون المسمار الذي سيدق في نعش نتنياهو السياسي، بإذن الله.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.