نفاع “للشرق” لإعادة هيكلة الحوكمة في إدارة المرافىء لضمان استقلاليتها عن المحاصصة السياسية
كيف نستطيع أن ندير مرفأ بيروت ليصبح تنافسيا؟
كتبت ريتا شمعون
خلال اسبوعين فقط من رفع العقوبات، أعلنت موانىء دبي العالمية في 16 أيار الماضي عن اكبر إستثمار في سوريا حتى الآن بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس “.
وفق البيان، اتفقت شركة ” موانىْ دبي” مع ” هيئة المنافذ السورية” أيضا على التعاون في تأسيس مناطق صناعية ومناطق حرّة، إضافة الى موانىء جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل سوريا، بشكل يعكس التزام الطرفين بدعم التنمية الاقتصادية وتسهيل حركة التجارة والنقل.
كما أعلنت شركة CMA CGM الفرنسية عن استثمار بقيمة 262 مليون دولار لتطوير ميناء اللاذقية.
وعن السرّ في أن تكون الموانىء السورية هي باكورة الإستثمارات الأجنبية، وقبلها ميناء حيفا حيث وقعت شركة موانىء دبي العالمية في العام 2020، مع شركة ” دوفرتاور” الإسرائيلية سلسلة إتفاقات شملت خصخصة ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط، وكذلك تطوير مناطق حرّة وامكانية تطوير خط ملاحي مباشر بين ( مينائي إيلات-وجبل علي).
وعليه سيترتب على مرفأ بيروت خسائر إذا لم تحدد له وجهة جديدة متطورة وانطلاقة اقتصادية جديدة، فإن هذه الإستثمارات في المنطقة يجب ان تدفع لبنان الى إعادة تحديد دوره، وتطوير البنية التحتية لمرفأ بيروت لزيادة طاقته واستيعابه لكميات أكبر من البضائع، بالإضافة الى تطوير الخدمات اللوجستية ورفع مستوى الكفاءة التشغيلية، لكن هناك أسئلة مشروعة اليوم عندما يحكى في لبنان عن تطوير المرافىْ وتحديدا مرفأ بيروت. من يدير المرفأ اليوم هو لجنة مؤقتة منذ اكثر من 28 سنة، تتقاضى واردات وتصرفها من دون مساءلة، هل هذه اللجنة نفسها ستكون قادرة على منافسة مرافىء المنطقة؟ وهل يكون أحد أسباب تخلف مرفأ بيروت في التجارة الدولية هو سوء الإدارة أو إهمال الدولة؟
بين إهمال الدولة وفرضية سوء الإدارة، مما لا شكّ فيه، أن مرفأ بيروت لعب دوراً بارزاً خلال العقود الماضية، حتى بات ميناءً بحريا أساسيا، بخدم العمليات التجارية كافة، من النفط وحركات الركاب والبضائع، وربط الدول الأوروبية والشرق أوسطية والخليجية في آن واحد، إلا ان في الفترة الأخيرة، تعاقبت عليه الأزمات، لا سيما بعد وقوع انفجار 4 آب من العام 2020، الذي قدرت خسائره بأكثر من 15 مليار دولارما أثر بشكل مباشر على سير العمل فيه، صحيح أنه قد شلّ بعد الإنفجار لكنه أعيد للعمل بعد أسبوعين منه.
نعم، يعمل مرفأ بيروت اليوم بشكل طبيعي، ويقدم خدماته بشكل روتيني إن لجهة الاستيراد والتصدير أو لجهة عمليات تفريغ واخراج البضائع ، لكن منذ إنفجار المرفأ لم نرفع الأنقاض منه حتى الآن.
مدير عام مرفأ بيروت عمر عيتاني يؤكد على هامش جولة لوفد إماراتي في المرفأ ، ان المرفأ في جهوزية تامة للإنضمام الى خطوط النقل العربية واستعادة موقعه كمحور استراتيجي يربط الشرق بالغرب.
لكن الأهم من ذلك كله، كيف نستطيع أن ندير مرفأ تنافسي؟
يقول الدكتور كارلوس نفاع رئيس جمعية ” TRAIN TRAIN ” الى أن تطوير المرافىء لا يمكن أن يكون مجرد مشروع بنية تحتية، بل يجب ان يبنى على رؤية عادلة تضمن التوازن الإقتصادي بين المناطق اللبنانية وتكسر منطق المركزية القديمة، مضيفا: المطلوب دمج المرافىء في استراتيجية وطنية للنقل المتكامل، يكون فيها الربط السككي أساسياً.
ويشدد نفاع في حديث لجربدة ” الشرق” على ضرورة اعتماد سياسات تطوير شفافة ومستندة الى أهداف واضحة منها:
– تحويل مرفأ بيروت الى منصة اقتصادية متخصصة يمكن أن تشمل الميناء الرقمي أو الخدمات اللوجستية المتقدمة
– تعزيز دور مرفأ طرابلس كمرفأ خدماتي وتجاري متكامل يخدم الشمال والبقاع وحتى الداخل السوري.
– ربط المرفأين عبر سكك حديدية مع المرافىء الجافة وخطوط النقل الداخلي، والربط بالشبكة الإقليمية.
– إعادة هيكلة الحوكمة في إدارة المرافىء لضمان استقلاليتها عن المحاصصة السياسية.
أما من جهة التمويل، يوضح نفاع ، أن المفتاح الأساسي للتمويل ليس فقط في إيجاد الأموال بل في توفير الثقة والشفافية التي تجعل المرافىء اللبنانية شريكة جدّية للمستثمرين والمؤسسات الدولية.
في هذا السياق، يتابع نفاع، يمكن اعتماد الآليات التالية:
– الشراكة بين القطاعين العام والخاص
( PPP) : لتوظيف خبرات واستثمارات القطاع الخاص مع الحفاظ على الملكية العامة.
– قروض ميسرة ومنح: من خلال مؤسسات كالبنك الدولي والصناديق الخليجية مقابل خطط إصلاح واضحة.
– إيرادات تشغيلية ذاتية: عبر تحسين الكفاءة التشغيلية.
– السندات السيادية للبنية التحتية: شرط وجود إدارة شفافة وضمانات قانونية.
ويعتبر نفاع، أن الأسس لاختيار دور كل مرفأ يجب أن تنطلق من قراءة دقيقة للواقع الجغرافي والديموغرافي ومن تحليل القدرات اللوجستية الحالية والإحتياجات المستقبلية، فمرفأ بيروت رغم التدمير الذي لحق به بعد انفجار 2020، لا يزال يحتفظ بموقعه المركزي في قلب العاصمة وشبكة الطرق السريعة، أما مرفأ طرابلس فيتميز بمساحات أكبر وفرص للتوسعة، بالإضافة الى قربه من سوريا وشمال لبنان، مما يجعله مرشحا ليكون منصة لوجستية اقليمية.
ويرى أن تطوير مرفأي بيروت وطرابلس يتجاوز البعد الاقتصادي الى بعد وطني واستراتيجي يعيد توزيع التنمية ويخلق فرص عمل، شريطة أن يبنى على إرادة سياسية ورؤية حديثة لدور لبنان الإقليمي.
ويرى أنه من الضروري العمل على تفعيل الدور الإقليمي لمرفائي بيروت وطرابلس ، وفي هذا الإطار، يشكر رئيس جمعية“TRAIN TRAIN” الدكتور نفاع النواب بولا يعقوبيان وياسين ياسين لتبنيهم اقتراح القانون التي تقدمت به الجمعية الذي يرمي الى حماية عقارات سكك الحديد التي تربط مرفأ بيروت بمرفأ طرابلس بالخليج العربي والمحيط المشرقي في سوريا والعراق مما يعيد من جديد مكانتهما التجارية والإقتصادية ويعود لبنان بوابة المشرق، مضبفا: نأمل السير بالقانون ليصبح نافذاً يحمي عودة لبنان الى محيطه الاقليمي اقتصاديا واجتماعيا.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.