هل بدأ العد التنازلي لحرب لبنان الثالثة؟

3

قبل سنة بالضبط انتهت المواجهة في الحدود الشمالية مع حزب الله بما كان يبدو كضربة قاضية واضحة. فقد ضُرب حزب الله وفقد زعماءه وقادته الكبار، وعلى رأسهم حسن نصر الله، والكثير من قدراته العسكرية، وبدا بأنه لن تقوم له قائمة. انتخب رئيس وقامت حكومة لبنانية أعلنت التزامها بنزع سلاح المنظمة. ولم يتبقَ للإدارة الأميركية، المتفائلة والمنقطعة عن الواقع كما هي دوماً، سوى وعد يفيد بأن تحقيق اتفاق سلام إسرائيلي – لبناني ليس سوى مسألة وقت.

لكن لا توجد انتصارات مطلقة أو حسم تام في الحروب بين إسرائيل والعرب. نحن نهزم جيوش العدو، كي نكتشف بعد بضعة أيام من إعلان وقف النار بأنه لا يزال حياً يرزق. هكذا كان بعد الانتصارات الكبرى في حرب الاستقلال وحملة السويس، وكذا في الأيام الستة، حين استأنف المصريون والسوريون النار بعد بضعة أيام من هزيمتهم.

التاريخ يكرر نفسه في الحرب الحالية؛ كما الحال مع إيران الآخذة في إعادة بناء قدرتها واستعدادها للجولة التالية، والحال أيضاً حماس التي بقيت مسيطرة بلا منازع على القطاع. لكن يخيل أن لبنان حالة مميزة لتفويت فرصة كبرى. إذ لم يمارس على إسرائيل أي ضغط للكف عن ضرب حزب الله، ونحن بمبادرتنا ساهمنا في اتفاق مثقب ومهزوز عرف الجميع بأنه لا احتمال بأن حزب الله سيلتزم بشروطه. عرفنا، ورغم ذلك وافقنا، على أمل أن يقرر حزب الله التصرف كولد طيب وينزع سلاحه. وبالطبع، أملنا أن تستخدم الدولة اللبنانية (التي وصفها المبعوث الأميركي توم براك قبل أسبوع كدولة فاشلة ولا تؤدي مهامها) جيشها ضد حزب الله، الأقوى والأكثر تصميماً بعشرات الأضعاف من الجيش اللبناني.

وبعد سنة من النصر العظيم في لبنان، يتبين أن شيئاً لم يحصل، وأن إنجازات الحرب آخذة في التآكل. صحيح أن حزب الله يحافظ على نار هادئة ويمتنع عن العمل ضد إسرائيل، أو حتى الرد على هجماتها، لكنه لا يفعل هذا لأنه أصبح “محباً لصهيون”، بل انطلاقاً من تفكر بارد وواعٍ بالضبط مثل حماس، بأنه وقت الانحناء ريثما يمر الغضب، وانتظار الساعة المناسبة التي لا بد ستأتي. وفي هذه الأثناء، يعيد التنظيم بناء قوته، ويحافظ على تأييده لدى أوساط الطائفة الشيعية في لبنان، بل ووجد مسارات تهريب للسلاح من إيران بدل تلك التي فقدها مع سقوط نظام بشار الأسد.

أمام هذا الواقع، تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي ويخيل أن لدينا من هم مشتاقون لأيام الحرب ما بين الحروب، والتي نفذنا في أثنائها عدداً لا يحصى من العمليات الناجحة التي لم تنته ولم تتلخص في أي تغيير حقيقي للواقع. صحيح أن إسرائيل تتباهى بيد حرة تتمتع بها في لبنان، وبالضربات التي تلقيها على مخربين صغار من حزب الله، لكن يخيل أنها أعمال موجهة للرأي العام ولوسائل الإعلام أكثر مما تستهدف المس بحزب الله بشكل أليم وقاسٍ. فهل يعتقد أحد ما بأن حزب الله الذي يضم عشرات آلاف المسلحين، سيرفع الأيدي لأننا صفينا 300 من رجاله في السنة الأخيرة؟

حزب الله يقف في الظل، ومرة أخرى لم نعد نسمع تهديدات وتبجحات عن قدرات التنظيم والتي قضت مضاجع أصحاب القرار في إسرائيل في الماضي. التنظيم يتحدث أقل، ويتحدث بضعف، لكنه لا يزال يوضح بشكل قاطع بأنه لا يعتزم تسليم سلاحه، وأن “المقاومة” خياره الاستراتيجي.

يحسب حزب الله خطواته في مدى زمن السنين، والهدوء المخادع في حدود الشمال سيستمر لزمن طويل. لكن ليس السؤال إذا كان التنظيم سيستأنف أعماله ضدنا، بل متى.

جدير ومرغوب فيه أن تعمل إسرائيل بتصميم أكبر لإحباط التهديد المتشكل من الشمال، وإذا كانت لا تفعل ذلك، فعلى الأقل فلتتابع عيون حزب الله كي لا نتفاجأ مرة أخرى. فالعد التنازلي نحو مواجهة متجددة في حدود لبنان بدأ منذ هذه اللحظة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.