هل ترفع واشنطن الغطاء عن لبنان؟

3

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

واكبت واشنطن، وخلفها دائماً تل أبيب، المسار اللبنانيّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة، جنباً إلى جنب مع العواصم العربيّة والخليجيّة، وتحديداً الرياض. بعد انتخاب جوزف عون رئيساً للبنان مطلع عام 2025، وُضع العهد في دائرة الدعم الدوليّ، الأميركيّ والأوروبيّ والعربيّ، ثمّ بدأ الدعم يتهاوى تدريجاً بعد سلسلة محطّات لم يُنجز فيها لبنان، برئاسته الأولى، ما كانت تنتظر منه العواصم التي دعمته أن يُنجزه.

لكنّ للرئاسة الأولى سرديّتها أيضاً، المتعلّقة بـ”الحزب” وحساسيّة الوضع الداخليّ أوّلاً، وثانياً لأنّ المطلوب من هذا العهد دقيقٌ جدّاً على مستوى كلّ الملفّات، من الداخل في شأن السلاح اللبنانيّ والفلسطينيّ، وفي الخارج على مستوى “التوقيع على التفاوض المباشر” الذي يُمهّد لمرحلةٍ مختلفة من العلاقة اللبنانيّة مع إسرائيل.

بين الخارج والداخل هوّة لا تزال كبيرة جدّاً، من دون أن تتوصّل حتّى الساعة أيّ وساطة إلى تقريب المسافات. لا بل إنّ في أروقة واشنطن ملاحظاتٍ وكلاماً جدّيّاً عن رفع الغطاء عن الدولة، التي وصفها توم بارّاك بـ”الفاشلة”. وهناك أكثر من مؤشّر لا يُبشّر بحلٍّ على المدى القريب.

المخيّمات الفلسطينيّة: لماذا لم تدخل الدّولة بعد؟

واحدٌ من الملفّات التي فُتحت ولم تُقفل هو الملفّ الفلسطينيّ، وهو أحد البنود العالقة، ليس فقط داخليّاً، بل خارجيّاً أيضاً، في تحميل الدولة اللبنانيّة مسؤوليّة عدم إكمال المهمّة في نزع السلاح الفلسطينيّ ودخول الجيش إلى المخيّمات تدريجاً. وفي التقويم الخارجيّ، لم تُستكمَل المرحلة الأولى من تسليم السلاح الفلسطينيّ في المخيّمات، وتحديداً السلاح التابع لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة وما تتضمّنه من فصائل تابعة لها، بعملٍ جدّيّ مع الحركات الأخرى التي تنضوي في خانة “حلفاء الحزب” كحركتَي حماس والجهاد وغيرهما. وفي القراءة الدوليّة، لا “حجّة” أمام الدولة كي لا تُنجز المهمّة، لا سيما وسط توافر عدّة مقوّمات تمّ توافرها لحصول ذلك.

– أوّلاً: فتحت منظّمة التحرير الفلسطينيّة الباب أمام الدولة والجيش اللبنانيّ للبدء بتثبيت سلطة الدولة عبر تسليم السلاح الثقيل وبعض السلاح المتوسّط، على أن يُستكمل هذا الأمر لاحقاً. وأجرت منظّمة التحرير ورشة عمل على الأرض لحصر السلطة وفرض إدارة جديدة على الملفّ، مع تسجيل تعاونٍ ضئيل من السلطات الرسميّة اللبنانية لإنجاز ما بقي من المهمّة.

– ثانياً: أثبتت التقارير أن لا أسلحة ثقيلة، بالمعنى الصحيح والواقعيّ للكلمة، تملكها الفصائل الفلسطينيّة على أنواعها، لأنّ ما تملكه فصائل منظّمة التحرير صدِئ مع الوقت، وأمّا ما تملكه حركة حماس فيصلها عند الحاجة من حلفائها في لبنان. وبالتالي الحديث عن سلاحٍ ثقيلٍ في المخيّمات هو “فزّاعة”، لأنّ الأهمّ هو السلاح الخفيف الذي يُستخدم في الحروب الداخليّة داخل المخيّم، والخطر الذي يشكّله هذا السلاح في محيط المخيّمات.

– ثالثاً: تشير المعلومات إلى أنّ السلطات الفلسطينيّة قد طلبت من السلطات الأمنيّة اللبنانيّة الدخول إلى المخيّمات تدريجاً، بدءاً من المخيّمات الصغيرة وغير المسلّحة، لكي يُثبت لبنان أنّه على المسار الصحيح، عبر تشكيل لجانٍ أمنيّةٍ مشتركةٍ، وتوفير حماية فلسطينيّة رسميّة للجيش في المرحلة الأولى من الدخول وتمشيط المخيّمات، كي تصبح تحت سلطة الجيش اللبنانيّ كليّاً في المراحل اللاحقة. إلّا أنّ هذا الأمر رفضته المراجع السياسيّة في لبنان على اعتبار أن لا استعداد لوجستيّاً للدخول إلى المخيّمات، وهي نقطة لم تكن في مصلحة “مشروع استعادة السيادة” على الأراضي اللبنانيّة.

– رابعاً: أعادت قضيّة مقتل الشابّ إيليو أبو حنّا الملفّ إلى الواجهة بعد إقدام عناصر مفصولة من أمن المخيّم على إطلاق النار عليه وإردائه قتيلاً. تحوّلت القضيّة إلى مصدر للشحن السياسيّ والمزايدات في ما يتّصل بأمن المخيّمات. في المقابل، ألقت قوّات الأمن الفلسطينيّ القبض على ثمانيةٍ من المشتبه فيهم وسلّمتهم إلى استخبارات الجيش، فيما توارى اثنان عن الأنظار في ظلّ كلامٍ عن نجاحهما في الخروج من البلد.

قضيّة أبو حنّا وقضيّة الشابّة نانسي التي قُتلت في اليوم التالي فتحتا ملفّ المخدّرات في المخيّمات، وسط استغراب مراجع فلسطينيّة لقدرة المهرّبين على إدخال هذا الكمّ الهائل من المخدّرات إلى المخيّمات، فيما تخضع البضائع الأساسيّة ومستلزمات المنازل لتفتيشٍ دقيق وتُمنع في غالب الأحيان. لذلك كانت هذه الحادثة أيضاً محطّةً توقّف عندها التقويم العامّ للأداء الرسميّ في التعامل، ليس فقط مع السلاح، بل مع أزمة المخدّرات والمهرّبين داخل وخارج المخيّمات.

سلاح “الحزب”: لا حصر له حتّى في جنوب اللّيطاني؟

على الرغم من انتشار الجيش في مساحةٍ واسعةٍ من جنوب الليطاني، وقيامه بمصادرة شاحنات أسلحة شمال الليطاني، بالإضافة إلى عددٍ من المواقع، كان التقويم الدوليّ في لجنة “الميكانيزم” من الجانبين الإسرائيليّ والأميركيّ هو أنّ الجيش لا يقوم بما يجب لكي يسيطر على كلّ السلاح وكلّ الأراضي، وأنّ الكلام عن أنّ الاحتلال الإسرائيليّ يمنع ذلك غير دقيق.

بناءً على هذا التقويم، قامت إسرائيل في الغارات الأخيرة باستهداف مواقع محيطة بالجيش اللبنانيّ لتكون رسالة منها إلى المؤسّسة العسكريّة. وهذا ما يُعتبر مرحلة خطِرة قد وصل إليها الوضع في لبنان لأنّها تستدعي تدخّلاً للتهدئة والتفاهم، على اعتبار أنّ البديل ليس سوى اعتبار الجيش هدفاً أيضاً لإسرائيل.

في المعلومات أيضاً أنّ الاستياء الأميركيّ والإسرائيليّ ليس فقط من رئيس الجمهوريّة، بل من الجيش والحكومة والرئيس برّي وكلّ أركان الدولة باعتبارهم شركاء “الحزب” في إعادة تطوير قدراته.

أمّا على مستوى الحدود وضبطها ومنع تمرير أسلحة وأموال إلى “الحزب”، يؤكّد التقويم الدوليّ أيضاً وجود تسريب عبر المتاجرة بالأسلحة لمصلحة إعادة تسليح “الحزب”، وتهريب الأموال عبر شركات صيرفة والمطار وغيرهما. لذلك فرضت وزارة الخزانة الأميركيّة عقوبات على عددٍ من الأفراد بتهمة تسهيل تمويل “الحزب”. وفي معلومات “أساس” من مصادر دبلوماسيّة أميركيّة أنّ وزارة الخزانة لا تزال تملك أسماءً بارزةً جدّاً ساهمت في تسهيل مرور الأموال ستُوضع قريباً على لائحة العقوبات.

‪وبناء على هذا المعطى، تكشف معلومات “أساس” عن زيارة مسؤولين أميركيين لبعبدا اليوم الأحد الساعة السادسة مساء بعيداً عن الأعلام. المسؤولان هما سيباستيان جوركا ورودولف عطالله المتخصصان في  مكافحة الإرهاب في مجلس الامن القومي في البيت الابيض. مباشرة من واشنطن إلى القصر الجمهوري سيلتقيان الرئيس جوزيف عون في رسالة واضحة وحاسمة، تتعلق بالحزب وبالتمويل الذي يحصل عليه .بطرق عدة وتحذيرٍ بضرورة العمل على وقف مصادرِ هذا التمويل

المرحلة الأخيرة من عام 2025

في بداية هذا العام انتُخب جوزف عون رئيساً بناءً على خريطة طريقٍ لم تُنفّذ بعد. يكاد يمرّ العام الأوّل من دون إنجاز أيّ بندٍ من هذه الخارطة. في مقاربة لبنان وموقفه الرسميّ أنّ إسرائيل لا تنفّذ اتّفاق وقف إطلاق النار. وفي مقاربة “الأقوى” أنّ لبنان لا ينفّذ ما عليه. وما بينهما لا حلول إلّا بالتفاوض.

أعلن رئيس الجمهوريّة موقفاً متقدّماً في هذا المجال، سرعان ما أُحبط أوّلاً داخليّاً، وثانياً بعدم استجابة أيٍّ من واشنطن وتل أبيب معه. وفي معلومات “أساس” أنّ عون مُطالَب في المرحلة المقبلة بخطواتٍ نوعيّةٍ وعمليّةٍ، وليس فقط بإطلاق التصاريح والمواقف.

ما هي هذه الخطوات؟ حصر السلاح، والتفاوض المباشر مع إسرائيل تماماً كما طرحت مورغان أورتاغوس منذ بدء عملها تأليفَ لجان بقيادة دبلوماسيّة. تطلب إسرائيل اليوم تمثيلاً سياسيّاً في التفاوض على أن يسير لبنان على خُطى سوريا، التي التقى وزير خارجيّتها أسعد الشيباني بالوزير رون ديرمر بشكلٍ علنيّ. فهل يستطيع لبنان الذهاب بعيداً إلى هذا الحدّ؟ لا شكّ أنّ المرحلة صعبة، وتحدّياتها كبيرة، لا سيما أنّ لبنان غارقٌ بالدمّ والدّمار، وهو مُرشّحٌ للغرق أكثر.

جوزفين ديب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.