هل ستشارك أميركا في الحرب على إيران؟

8

بقلم د. ابراهيم العرب

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا في التوتر بين إيران وإسرائيل، وسط ضربات جوية، وتهديدات متبادلة، وتحركات عسكرية لافتة في الخليج. في خضمّ هذا المشهد، تتجه الأنظار إلى الموقف الأميركي: هل ستظل واشنطن متفرجة أم أنها ستنخرط، عاجلًا أم آجلًا، في صراع قد يُشعل المنطقة بأسرها؟ وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة أن بلاده لا تسعى لحرب جديدة، إلا أن مؤشرات ميدانية وسياسية عدة توحي بأن الباب لا يزال مفتوحًا أمام احتمالات التدخل العسكري الأميركي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

تحولات في الخطاب الأميركي: من الحذر إلى التلويح بالقوة

في 17 حزيران 2025، أطلق الرئيس ترامب سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل عبر منصته “تروث سوشيال”، دعا فيها إيران إلى “الاستسلام غير المشروط”، مشددًا على أن المجال الجوي الإيراني “تحت السيطرة التامة”، ومعلنًا معرفة الاستخبارات الأميركية بموقع المرشد الأعلى علي خامنئي، مع إشارة إلى أن “استهدافه ليس مطروحًا في الوقت الحالي”. هذه التصريحات تعكس نبرة تصعيدية جديدة في خطاب ترامب، لا سيما أن البيت الأبيض سبق أن نفى، مرارًا، وجود نية أميركية للانخراط العسكري في أي نزاع مع إيران.

لكن المتغير اللافت يكمن في ما نقلته الصحافة الأميركية عن مستشارين لترامب، أشاروا إلى أن الرئيس بات أقل تحفظًا تجاه فكرة توجيه ضربة عسكرية “محدودة” لإيران، في حال توسع نطاق الضربات الإسرائيلية أو استهدفت طهران مصالح أميركية مباشرة. ويبدو أن ترامب، رغم تبنيه سياسة “أميركا أولاً”، لا يغلق الباب أمام استخدام القوة إذا اقتضت مصلحة بلاده ذلك، أو إذا تطلّب الأمر إرسال رسالة ردعية مزدوجة لطهران ولخصوم واشنطن الآخرين في العالم.

الهجمات الإسرائيلية: تجاوز الخطوط الحمراء

في المقلب الآخر، تواصل إسرائيل تنفيذ غاراتها على أهداف إيرانية داخل العمق الإيراني، مع تركيز خاص على المنشآت النووية ومواقع الحرس الثوري ومراكز القيادة والسيطرة. وترى إسرائيل أن هذه الهجمات ضرورية لعرقلة البرنامج النووي الإيراني ومنع طهران من بلوغ “العتبة النووية”. وتُركّز الغارات على منشآت استراتيجية مثل نطنز وأصفهان وفوردو، وهي مواقع مدفونة تحت الأرض يصعب تدميرها من دون ذخائر خارقة للتحصينات.

وتنفي إيران هذه الاتهامات، مؤكدة أن برنامجها النووي سلمي الطابع، لكنها في الوقت نفسه تواصل تخصيب اليورانيوم بمعدلات تتجاوز ما هو مسموح به دوليًا، ما يزيد من حدة المخاوف الإسرائيلية والغربية، ويدفع بتل أبيب إلى مواصلة الضغط على واشنطن للتدخل.

الترسانة الأميركية واستعدادات ميدانية

تمتلك الولايات المتحدة قدرات عسكرية تفوق بكثير ما تحتاجه لشن ضربات دقيقة على إيران، وقد أظهرت تحركاتها في الأسابيع الأخيرة استعدادًا فعليًا لأي تدخل محتمل. فقد أرسلت حاملة الطائرات “نيميتز” إلى مياه الخليج، إلى جانب تعزيزات جوية شملت طائرات مقاتلة وطائرات تموين وقاذفات استراتيجية. كما نُقل عن مسؤولين في البنتاغون أن واشنطن تدرس تزويد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات قادرة على تدمير منشآت مثل “فوردو”، رغم نفي رسمي لهذا الأمر.

التحركات العسكرية الأميركية تعكس توجهًا واضحًا لخلق توازن ردعي، مفاده أن أي هجوم إيراني مباشر على مصالح الولايات المتحدة سيُقابل بردّ صارم وسريع، حتى ولو لم تكن واشنطن راغبة فعليًا في الانخراط في حرب شاملة.

أربعة سيناريوهات محتملة للموقف الأميركي

  1. الانجرار غير المقصود

يتمثل هذا السيناريو في أن تؤدي إحدى الهجمات الإيرانية على قاعدة أميركية أو هدف أميركي في المنطقة إلى رد فعل مباشر من واشنطن. وقد صرّح ترامب أن “أي استهداف لمصالح أميركية سيقابل برد ساحق”، ما يضع هذا السيناريو في مرتبة عالية من الاحتمالية، خصوصًا إذا شعرت إيران بأن مصالحها مهددة بشكل حيوي.

  1. المبادرة الأميركية بالتدخل

رغم أن هذا الخيار مستبعد حاليًا، إلا أن تصاعد التوترات قد يدفع واشنطن إلى تبنّي ضربة استباقية إذا شعرت بأن إيران باتت قريبة من امتلاك قنبلة نووية، أو في حال طلبت إسرائيل دعمًا مباشرًا لاستكمال هجماتها على منشآت معقدة التحصين.

  1. الحياد مع دعم دفاعي لإسرائيل

يُعدّ هذا السيناريو الأقرب إلى سياسة ترامب الحالية، إذ يحرص على الظهور بمظهر من يردع الخصوم دون التورط في “حروب مكلفة”. في هذا الإطار، يمكن للولايات المتحدة أن تكتفي بتوفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي لإسرائيل، دون المشاركة المباشرة في القتال.

  1. الدبلوماسية كخيار مفضل

يبقى احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات قائمًا، لا سيما أن ترامب يفاخر بأنه الأقدر على “إبرام الصفقات الكبرى”، وقد يُرسل مبعوثًا خاصًا لإجراء محادثات مع الإيرانيين في سلطنة عُمان أو قطر أو حتى عبر وسطاء أوروبيين.

ردود الفعل الإيرانية: التهديد بالرد وتوسيع رقعة الحرب

من جانبها، أعلنت طهران أنها ستردّ بعنف على أي دور أميركي في الحرب، وهددت باستهداف القواعد الأميركية في العراق والخليج، فضلًا عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره نحو 20% من النفط العالمي. كما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن إيران وضعت وحدات صاروخية في حالة تأهب قصوى، وربما تجهّز لضرب مصالح أميركية حال ثبوت دعم واشنطن المباشر للهجمات الإسرائيلية.

الدبلوماسية الإيرانية، من جهتها، حذّرت في مجلس الأمن من “تحوّل واشنطن إلى شريك في العدوان”، ودعت إلى محاسبتها على أساس القانون الدولي، فيما سعت في الوقت ذاته إلى تجنّب استفزاز مباشر يمكن أن يبرّر ردًا عسكريًا أميركيًا واسع النطاق.

المواقف الأوروبية: دعم حذر لإسرائيل

سعت إسرائيل إلى كسب دعم أوروبي لهجماتها، وافقت بريطانيا على المساهمة في الأنشطة الدفاعية الجوية لحماية إسرائيل، فيما لا تزال فرنسا تدرس خياراتها، مع ميلها إلى دعم الجهود الدبلوماسية. أما ألمانيا، فقد أعلن مستشارها فريدريش ميرز تأييده لحق إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، وترك الباب مفتوحًا لاحتمال دعم عمل عسكري إذا فشلت الجهود السلمية.

 القرار الأميركي بين الردع والانخراط

في الختام، لا شك أن الموقف الأميركي حاسم في تقرير مصير التصعيد الحالي. وبينما تميل واشنطن إلى تجنّب الانخراط المباشر في الحرب، إلا أن تطورات الميدان قد تفرض واقعًا مختلفًا. فالضغط الإسرائيلي، وتهوّر بعض فصائل الحرس الثوري، والتوتر في الخليج، كلها عوامل قد تُخرج الأمور عن السيطرة.

ويبقى القرار الأميركي رهينة لتطورات اللحظة: هل تتجاوز طهران الخطوط الحمراء الأميركية؟ هل تتعرض قاعدة أميركية لهجوم مباشر؟ وهل تُقدِم إسرائيل على عملية تستوجب تدخلًا عسكريًا أميركيًا لإنجاحها؟ حتى الآن، لا توجد إجابة قاطعة. لكن الثابت أن واشنطن لا تغلق أي باب، وتستعد لكل السيناريوهات، في منطقة لا تُتيح ترف الحياد طويلاً.

بقلم د. ابراهيم العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.