هل يُترك لبنان بين مطرقة إسرائيل وسندان إيران؟
بقلم دافيد عيسى
استبشر اللبنانيون خيرًا بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، معتبرين أن صفحة جديدة قد فُتحت في تاريخ الوطن، وأن عهدًا مختلفًا قد بدأ مع شخصية تحظى باحترام الداخل والخارج.
لكن سرعان ما اصطدمت هذه الآمال بواقع داخلي متأزم وتحديات خارجية ضاغطة، لتبقى البلاد أسيرة الانهيار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي. هذا الوطن الذي كان يُفترض أن يكون جوهرة الشرق، يجد نفسه اليوم في مهب الرياح، تنهشه الأزمات من الداخل وتتكاثر عليه الضغوط من الخارج. فبات السؤال مشروعًا: هل يُترك لبنان لمصيره؟١- واقع داخلي منهار
اللبنانيون لا يحتاجون لمن يشرح لهم حجم المأساة، فهم يعيشونها يوميًا: بطالة متفاقمة، هجرة متزايدة، مؤسسات عاجزة، انهيار اقتصادي، طبقة سياسية وحزبية، ما زالت غارقة في صراعاتها الضيقة وحساباتها الصغيرة، وكأن الوطن لا ينزف.
٢- ساحة لتصفية الحسابات
منذ عقود، تحول لبنان إلى ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية والدولية. هذا الوطن الصغير أصبح أكبر من حجمه في لعبة الأمم، وأصغر من أن يحمي نفسه أمام تقاطع المصالح.
والأخطر أن قوى سياسية لبنانية ارتضت أن تكون لها ارتباطات مع الخارج بدل أن تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
٣- إسرائيل: خرق السيادة وتهديد دائم، منذ صدور القرار ١٧٠١ لم تلتزم إسرائيل بتطبيقه كاملًا. اعتداءاتها بقصف الجنوب مستمرة، واحتلالها للتلال الخمس قائم، واغتيالات يومية لم تتوقف، فضلًا عن الخروقات الجوية والبحرية اليومية. لبنان، الذي كان يُفترض أن ينعم بالاستقرار بعد حرب “الإسناد” التي دارت على أرضه، ما زال يعيش تحت تهديد عدو لم يُبد يومًا رغبة في سلام عادل.
٤- حزب الله والدور الإيراني…
يتمسك حزب الله بسلاحه، رافضًا النقاش فيه قبل انسحاب إسرائيل من التلال الخمس ووقف الاعتداءات المتكررة. لكن المطلوب اليوم حوار وطني جدي يضع السلاح تحت إمرة الجيش اللبناني وحده.
غير أن التدخل الإيراني في الشأن اللبناني يعرقل هذا المسار، إذ تبقى الدولة ناقصة السيادة ومرتهنة لقرار يُصنع خارج بيروت. فإيران تمد الحزب بالسلاح والمال والغطاء السياسي، ما يزيد التعقيد الداخلي ويجعل لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات المرتبطة بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية، والتي يترقب اللبنانيون انعكاساتها المباشرة على حاضرهم ومستقبلهم.٥- الخطر على لبنان مزدوج:
– عدو إسرائيلي لا يوقف اعتداءاته.
– وسلاح يُعطل الدولة ويمنع قيام سلطة واحدة وجيش واحد.
من هنا، تصبح المسؤولية الوطنية واجبًا على كل القوى السياسية والحزبية والروحية والمدنية، لتغليب المصلحة الوطنية على كل ارتباط خارجي. فالمراهنة على الخارج لم تُنقذ لبنان يومًا، بل زادته تبعية وتشرذمًا.
في الختام، لبنان أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يُترك فريسة للانهيار والتشتت، وإما أن ينهض من جديد عبر قرار لبناني حر وشجاع يعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها. ويبقى السؤال: هل يملك اللبنانيون الإرادة لإنقاذ وطنهم، أم يتركونه رهينة لمصالح الآخرين؟
دافيد عيسى
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.