واشنطن بين “ألبرغو” و”السنترال”: تكفّلوا بـسلاح “الحزب” أوّلاً

1

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

في “طلّة” أميركية، غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، على شكل مؤتمر صحافي عُقد أمس في قصر بعبدا، ضمّ عضوَي مجلس الشيوخ السناتور الجمهوريّ ليندسي غراهام والسناتور الديموقراطية جين شاهين، النائب جون ويلسون، المبعوث الأميركي الخاصّ إلى تركيا وسوريا ولبنان توم بارّاك والموفدة مورغان أورتاغوس.

أعلن الوفد الأميركي الموسّع “الفرمان” الإسرائيليّ من بعبدا: “نزع سلاح “الحزب” أوّلاً”، وبعدها “سيكون هناك حديث مع إسرائيل بشأن النقاط الخمس”، كما قال غراهام، و”إسرائيل ستنسحب من لبنان، بشكل متناسب، بحسب ما تراه من خطوات حيال نزع سلاح الحزب”، كما قال بارّاك.  الأهمّ أنّ أعضاء الوفد أكّدوا وجود خطّة لإقامة منطقة اقتصاديّة عازلة على الحدود الجنوبيّة، شمال إسرائيل.

في تقاطعٍ غير عاديّ، فَرضه تلاقي المصالح، نَسَف الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اللحظة نفسها، معادلة “الخطوة خطوة” التي يتمسّك بها الجانب اللبناني، ويُسوّق لها الأميركيون، ضمن مسار سحب سلاح “الحزب” نهائيّاً. هذا التقاطع لن يؤدّي إلّا إلى مزيد من التعقيدات، أخطرها لغم الشارع الذي بدأ يلوح في الأفق، والدور المنوط بالجيش في المرحلة الفاصلة عن نهاية العام، تاريخ تسليم آخر قطعة سلاح، وفق روزنامة الحكومة اللبنانية.

شكّلت مواقف كلّ من قاسم ونتنياهو، عشيّة اللقاءات التي عقدها أمس الوفد الأميركي الموسّع مع الرؤساء الثلاثة، عناوين لكباش يزداد حدّة، في الوقت الذي بدأ فيه التلويح بورقة الشارع من قبل الثنائي الشيعي. فقاسم ينزع الشرعيّة عن قرارات الحكومة أصلاً، ونتنياهو غير مستعدّ للانسحاب متراً إلى الوراء، قبل تسليم آخر قطعة سلاح لـ”الحزب”، وتكريس المنطقة العازلة تحت مسمّى “المنطقة الاقتصادية”.

وفق معلومات “أساس” لم تكن نتائج اللقاء بين الرؤساء الثلاثة والوفد الأميركي مريحة للجانب اللبناني، حيث انقلبت الأدوار بين انتظار لبناني لخطوة من الجانب الإسرائيلي، إلى انتظار أميركي-إسرائيلي لخطّة نزع السلاح على طاولة الحكومة، مع تواريخ وجداول زمنيّة، وإيفاء الحكومة بالتزامها تسلُّم كلّ السلاح، ونشر الجيش قبل نهاية العام.

أقصى ما خرج به النهار الأميركي الطويل ما تضمّنه البيان الرئاسي من بعبدا من تثمينٍ للموقف الأميركي بـ”صون الديمقراطية التوافقيّة”، وهو ما عَكَسَه بارّاك بحديثه عن “إقناع “الحزب” بتسليم السلاح ليس بالطرق العسكرية، فلا أحد يريد حرباً أهليّة”.

إسرائيل في الجمّيزة!

 بين العشاء في مطعم Centrale الذي دعا إليه نائب عاليه، راجي السعد، ابن خالة أنطوان الصحناوي، عدّة شخصيّات، وحضرته مورغان أورتاغوس، وعشاء Albergo، في الجمّيزة، بدعوة من بارّاك شملت العديد من أصدقائه ومعارفه ورجال الأعمال،  كان جزء من نتائج الوساطة الأميركية يتبلور بشكل أوضح، حيث سَمِع المشاركون في عشاء المبعوث الأميركي، غير السياسي، تأكيدات أن “لا خطوة إسرائيلية جدّية قبل نزع السلاح أوّلاً”.

أمّا الرهان الأميركي على خطّة الجيش التي ستُقدّم بعد أيّام، وتحدّث عنها بارّاك، فيستند وفق مطّلعين “ليس فقط إلى الناحية الشكليّة لجهة تقديم قيادة الجيش الخطّة العسكرية المنتظَرة في أوّل جلسة لمجلس الوزراء، بل في الخطوات التنفيذية المرافقة لها، في الجنوب والبقاع والضاحية، لجهة بدء نزع السلاح بشكل شامل”.

غراهام الأكثر صراحة

لم يترك نتنياهو للسلطة اللبنانية خيارات كثيرة، حين رَبَط أيّ خطوة إسرائيليّة مُقبِلة بالنزع الفعليّ للسلاح، فاصلاً بشكل واضح بين قرار الحكومة، المكتوب على ورق، وبين “الخطوات اللازمة لتنفيذ نزع السلاح (من قبل الجيش)، وعندها ستبادر إسرائيل إلى اتّخاذ إجراءات موازية تشمل خفضاً تدريجيّاً لوجود الجيش الإسرائيلي”.

لم يذكر نتنياهو كلمة “انسحاب”، بل تحدّث عن خفض تدريجيّ، من دون أيّ إشارة منه إلى العمل العسكري، الذي يشهد له الأميركيون أنفسهم في جنوب الليطاني لجهة تحوّله إلى منطقة شبه خالية، تقريباً، من سلاح “الحزب”.

“عَرض المساعدة” من قبل نتنياهو للحكومة اللبنانية لنزع سلاح “الحزب” “تحقيقاً لاستقرار البلدين وازدهارهما”، لم يستجلب أيّ ردّ فعل رسمي، في الوقت الذي كان فيه الثنائي الشيعي يعلن تأجيل تحرّكه النقابي والشعبي الذي كان مقرّراً اليوم.

بالتأكيد، كان السناتور الجمهوري ليندسي غراهام الأكثر صراحة في التعبير عن ردّ الفعل الإسرائيلي على قرارات الحكومة في شأن حصريّة السلاح وخطّة الجيش بالقول: “على لبنان نزع سلاح “الحزب”، قبل السؤال عن انسحاب إسرائيل. الانسحاب الإسرائيلي متعلّق بما سيقوم به لبنان، وإذا لم يتمّ نزع سلاح “الحزب” والفلسطينيّين فلا تقدّم إلى أيّ مكان، والسعوديّة لن تأتي (الدعم والاستثمارات السعوديّة في لبنان)”.

 أمّا أورتاغوس فالتحفت بالصراحة نفسها عبر القول: “سنقابل اتّخاذ الحكومة اللبنانية خطوة بـ “تشجيع” إسرائيل على اتّخاذ خطوة أخرى”. وتحدّثت أورتاغوس في كلمتها المقتضبة “عن ضرورة الانتقال إلى الأفعال، وليس فقط الأقوال”.

صفر نتيجة

فعليّاً، عاد بارّاك بـ “كلام معسول” من دمشق بحديثه عن “تطلّع  الرئيس أحمد الشرع إلى علاقة تاريخيّة وتعاون مشترك مع لبنان، واستعداده لمباحثات حول الحدود”، وبصفر نتيجة من إسرائيل حين جَزم بأنّ “إسرائيل لن تقدّم ردّاً واضحاً، لأنّ الحكومة اللبنانية لم تقدّم تصوّراً واضحاً بعد. ونحن بانتظار الاقتراح المتعلّق بنزع السلاح (خطّة الجيش) الذي ستقدّمه الحكومة، وعندها سنرى ما ستقوم به إسرائيل حيال الانسحاب وضمان الحدود والنقاط الخمس”. وقال بارّاك إنّ خطّة “نزع سلاح “الحزب” لن تكون عسكرية بالضرورة، لكن من خلال إقناع “الحزب” بالتخلّي عن سلاحه”.

موقف “الحزب”

على الجانب اللبناني برز معطيان ربطاً بما حَمَله بارّاك من إسرائيل:

– ترقّب ردّة فعل الثنائي الشيعي، “الحزب” تحديداً، سيّما أنّ الرهان على خطوة إسرائيلية مُقابِلة على شاكلة بدء الانسحاب أو وقف الاعتداءات، بدا أقرب إلى “الهلوسة” السياسية. وليل أمس ردّ الحزب، على طريقته، بنشر فيديو عسكري عن التمسّك بالسلاح.

– صدور بيان عن رئاسة الجمهورية لم يتضمّن أيّ إشارة إلى الموقف الإسرائيلي، والموقف اللبناني من الموقف الأميركي، نقلاً عن الإسرائيليّين. لكن كانت لافتةً الإشارة إلى “تثمين رئاسة الجمهورية ما صدر من مواقف عن الرؤية الأميركية لإنقاذ لبنان المستندة، من ضمن ثلاث قواعد، إلى “صون الديمقراطية التوافقيّة التي تحمي كلّ الجماعات اللبنانية، في إطار نظام تعدّدي حرّ، يجعلها سواسية أمام القانون وشريكة في إدارة البلد”.

ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.