واقعيّة أميركيّة “ناشطة”: الاستقرار أوّلاً

5

بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
ماذا طرأ أخيراً من تطوّرات على مستوى الحوار الثنائي بين رئاسة الجمهورية و”الحزب”؟ حرفيّاً: لا شيء. تبدو الأمور “مُكربجة” كلّياً، لكن من دون أن تُوتّر الأجواء بين بعبدا والضاحية. لا بل على العكس، حتّى في ظلّ عدم رصد أيّ تأثير مباشر لـ “مُهمّة” السلطة اللبنانية حاليّاً بالضغط على إسرائيل، عبر الأميركيين، للانسحاب من لبنان ووقف اعتداءاتها، هناك رضى من قيادة “الحزب” على خطاب رئيس الجمهورية “المسؤول” في ما يتعلّق بملفّ السلاح. ويبقى الرئيس نبيه برّي هو “لينك” التواصل الأساس بين الطرفين، والأخير، وفق ما يؤكّد قريبون من بعبدا، فهو “مُتفهّم بشكل كبير لحساسيّة الوضع”، ومُدرك أنّ “تأهّل” الدولة إلى مرتبة إعلان حصر السلاح بيدها سيشكّل ضغطاً كبيراً على إسرائيل لا يمكنها تفاديه، إضافة إلى الرهان على نتائج المفاوضات الإيرانية-الأميركية، في جولتها الرابعة في سلطنة عمان.
في زيارتها الأخيرة للبنان أبلغت نائبة المبعوث الاميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الجانب اللبناني بأنّها تعتزم زيارة لبنان مجدّداً في بداية شهر أيّار. لكن حتى يوم أمس لم تكن الدوائر الرسمية في بعبدا أو السراي قد تبلّغت بموعد الزيارة، سيما أنّه يفترض أن تحمل أجوبة في شأن إلحاح لبنان على انسحاب إسرائيل من المواقع الحدودية الخمسة ووقف اعتداءاتها اللذين هما مدخل حتمي لإيفاء لبنان بباقي التزاماته.
المؤكّد، وفق معلومات “أساس”، أنّ الجانب الأميركي، على الرغم من المناخات التي أوحت سابقاً بأنّ واشنطن تحمل العصا وتُلقي الأوامر غير القابلة للمراجعة، يتعاطى ببراغماتيّة في شأن ملفّ السلاح إلى حدّ تأكيد جهات لبنانية، على تماسّ مباشر مع زيارات الموفدين الأميركيين، أنّ هناك خطّاً أحمر ترفض واشنطن تجاوزه، وهو حصول مواجهة داخلية تقود، وفق المصطلح اللبناني، إلى “حرب أهلية”، وأنّ الجيش يقوم بما في وسعه، ضمن الإمكانات المتوافرة، بالمهامّ المطلوبة منه.
أكثر من ذلك، يُرصَد بوضوح التباين الأميركي – الإسرائيلي حول الملفّ الإيراني، وإحدى ترجماته إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستشار الأمن القومي مايكل والتز مع تبنّي الأخير آراء متشدّدة حيال إيران وأوكرانيا، وتسويقه لأجندة بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض. مع ذلك، ثمّة معلومات عن تركيز أميركي على “تجفيف” منابع الدعم الماليّ لـ”الحزب”، وعلى رأس اللائحة القرض الحسن. وهذا هو الإمتحان الأساسي لحاكم البنك المركزي الجديد.
في الجانب اللبناني الرسمي من يقرأ “واقعية أكبر لدى الإدارة الأميركية في مقاربة ملفّات المنطقة، من إيران إلى لبنان، الذي شهد أوّل مؤشّرات العودة الخليجية مع قرار الإمارات إلغاء منع سفر مواطنيها إلى بيروت واستئناف رحلات طائراتها بدءاً من يوم أمس، بعد نحو أسبوع من زيارة رئيس الجمهورية لأبو ظبي”. وفق المعلومات، أعدّت مديرية الأمن العامّ تقريراً شاملاً عن الواقع الأمنيّ، بدءاً من مطار بيروت، حَمَله معه رئيس الجمهورية إلى الإمارات في زيارته الأخيرة.
لن يكون تفصيلاً أن تبدأ الطائرات الخليجية بالعودة إلى مدرّجات مطار بيروت، فيما تمدِّد شركات طيران دولية تعليق رحلاتها إلى مطار بن غوريون ربطاً بتطوّرات الملفّ اليمني.
سقطت اللّجان
الدليل على الواقعية الأميركية، وفق مصادر مطّلعة، أنّ “فتوى” مورغان أورتاغوس التي أعلنتها، بداية، خلال مقابلة تلفزيونية، بتشكيل ثلاث لجان مدنية-عسكرية للتفاوض مع إسرائيل، لم تَصمد طويلاً، وقوبلت فوراً بردّ مباشر من رئيس الجمهورية أفاد بعدم وجود أيّ مبرّر لتشكيل لجان في شأن الأسرى والانسحاب من المواقع الحدودية المحتلّة، ما دام لبنان ليس لديه أسرى إسرائيليون، وغير محتلّ لأراضٍ إسرائيلية.
في المقابل، انحصرت الموافقة اللبنانية بتأليف لجنة عسكرية تعالج مسألة تثبيت نقاط النزاع الحدودية مع إسرائيل، بحيث يمكن أن تدخل من ضمنها المواقع الحدودية الخمسة المحتلّة، وإن كان لبنان يؤكّد أنّ إسرائيل يجب أن تنسحب منها فوراً، وأنّ بقاءها فيها ليس لاعتبارات عسكرية إطلاقاً، بل من زاوية الضغط السياسي، وربّما تكريس احتلالها لها لمدّة زمنية مفتوحة.
“جنرالان” بدلاً من “جنرال”
بعكس ما رُوّج له إعلاميّاً، لم تهدّد واشنطن الجانب اللبناني إطلاقاً بوقف أعمال لجنة المراقبة الخماسية المُكلّفة تطبيق وقف إطلاق النار، ومنح إسرائيل حرّيّة التصرّف من دون أيّ اعتبار لهذه اللجنة، إذا لم تُشكّل اللجان الثلاث فوراً. الدليل أيضاً هو تعزيز الإدارة الأميركية الـ mechanism بـ “جنرالين” بدلاً من “جنرال” واحد، بعد “انضمام” الجنرال الأميركي مايكل ليني إلى اللجنة كـ “قائد عسكري رفيع بدوام كامل في بيروت لمواصلة العلاقة القويّة بين الجيشين اللبناني والأميركي”، كما قالت السفارة الأميركية في بيان أصدرته، مؤكّدة أنّ “الجنرال غاسبر جيفرز سوف يبقى مُهتمّاً بلبنان، فيما يقوم بدوره كقائد لقوّات العمليّات الخاصّة الأميركية في بلاد الشام والخليج العربي وآسيا الوسطى”.
أكثر من ذلك، ثمّة تفهّم أميركي، يُقابله إعلان صريح من “اليونيفيل”، ومواقف رسمية مُعلنة من رئاستَي الجمهورية والحكومة، لكون ما يحول دون انتشار الجيش بشكل كامل في جنوب الليطاني هو الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الحدودية، واعتداءاته المستمرّة، خصوصاً في سياق الاغتيالات التي تزداد وتيرتها.
في إعلان رسمي، هو الأوّل من نوعه، كان لافتاً تأكيد قائد “اليونيفيل” أرولدو لازارو لـ “الشرق الأوسط” أنّ “قوّاته ساعدت الجيش على إعادة الانتشار في أكثر من 120 موقعاً دائماً في الجنوب، إضافة إلى مواقع أخرى مؤقّتة، واكتشاف 225 مخبأً للأسلحة، تمّ تسليمها للجيش اللبناني”. وحَصَر الإشكالات الأخيرة في الجنوب، المرتبطة باعتراض دوريّات اليونيفيل، بـ”سوء تفاهم مع السكّان المحليّين”، جازماً بأنّ “مواصلة إسرائيل احتلال أراضٍ لبنانية لا تُشكّل فقط انتهاكاً لسيادة لبنان، وللقرار 1701، بل تعرّض أيضاً المسار السلمي المنشود للخطر”. وهو واقع قاد، كما يقول، إلى منع انتشار الجيش بشكل كامل، وعودة آلاف المدنيين إلى مجتمعاتهم.
آليّة تفاوض جديدة؟
هكذا في مقابل حوار ثنائي لم يتجمّد لأنّه أصلاً لم يبدأ بعد، بين رئاسة الجمهورية و”الحزب”، وتظلّل برسالة رئاسيّة من بعبدا حول مبدأ الحوار قوبلت بإيجابية من “الحزب”، على الرغم من السقف العالي للأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم وبعض قياداته، تشير معطيات “أساس” إلى أنّ البحث يجري حالياً مع الجانب الأميركي، تحديداً، في آليّة جديدة لإزالة الألغام أمام النقاط العالقة، أي الاحتلال الإسرائيلي والأسرى وتثبيت النقاط الحدودية، بعد تجاوز مسألة اللجان الثلاث كُلّيّاً.
في هذا السياق، ثمّة “فكرة” يتمّ التداول بها راهناً تشبه إلى حدّ ما صيغة الاتّفاق بين “حماس” وإسرائيل، بغضّ النظر عن نتائجه بعد توسيع إسرائيل عمليّتها العسكرية في غزّة وتهجير المزيد من الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب، وبالتالي التركيز على مسألة “خطوة مقابل خطوة”، لكن حتى الآن لم تتبلور أيّ صيغة نهائية حول هذه الآليّة التي يفترض أن تأتي ضمن سياق التسريع بإنجاز العنوان العريض للمهمّة، وفق الرؤية اللبنانية: جنوب “نظيف” من السلاح ومن إسرائيل.
أمّا في شأن حوار بعبدا-الضاحية، فإنّ دخول لبنان مدار الانتخابات البلدية والنيابية سيصعّب كثيراً، برأي مطّلعين، من تدشين مسار الحوار الثنائي، الذي قد يتحوّل إلى “كليشيه” الهدف منه امتصاص بعض أصوات الداخل، التي “تشوّش” على استقرار الداخل أكثر ممّا تُسهِم في الحلّ.
ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.