«يوم لا ينفع الندم»
كتب عوني الكعكي:
في 14 أيار عام 1948، أعلنت بريطانيا الانسحاب من فلسطين، حيث كانت الأخيرة تحت الانتداب البريطاني.
وهنا نتذكر أنّ المؤامرة بدأت لترسيخ قيام دولة إسرائيل بـ «وعد بلفور» الشهير الذي صدر في 2 نوڤمبر (تشرين الثاني) عام 1917، وكان على شكل رسالة من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور الى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد لدعم قيام وطن قومي لليهود في فلسطين.
رفض العرب أن تقسّم فلسطين الى دولتين: دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية. ومنذ ذلك الحين بدأت الحروب بين العرب وبين الإسرائيليين.
عام 1965، أعلن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عن مبادرة قبول «حلّ الدولتين»، فقامت الدنيا ولم تقعد، وعمّ الغضب ضدّه.
وفي 2 تموز 1973، قدّم الرئيس بورقيبة مبادرته رسمياً.. وتتضمّن المبادرة قبول إسرائيل مبدأ تقسيم فلسطين وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم (181) عام 1947، وترسيم الحدود عبر التفاوض وإنشاء دولة فلسطينية.
وفي عام 1970، أعلن وزير خارجية أميركا وليم روجرز مبادرة خطة اقترحتها الولايات المتحدة الأميركية لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة 90 يوماً، وتهدئة الصراع العربي – الإسرائيلي عبر مفاوضات وتحت إشراف الأمم المتحدة. وافق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على المبادرة، بينما رفضتها إسرائيل، كذلك رفضها الأخوة الفلسطينيون وتهجّموا على الرئيس عبدالناصر.
تأتي المبادرة بعد حرب 1967، يوم احتلت إسرائيل صحراء سيناء في مصر، والضفة الغربية والقدس في فلسطين، وهضبة الجولان في سوريا، كل هذا خلال خمسة أيام.
لذلك يأتي قبول الرئيس عبدالناصر المبادرة ليعيد تسليح جيشه والاستعداد لاسترجاع صحراء سيناء.
وبالفعل، استطاع عبدالناصر أن يحصل من الاتحاد السوڤياتي على أسلحة متطوّرة جداً، أهمها صواريخ سام – 6 التي أعادت التوازن العسكري بين إسرائيل والعرب.
الوحيد الذي «التقط» المبادرة الأميركية وذهب الى مفاوضات مع إسرائيل برعاية أميركية طبعاً، هو الرئيس أنور السادات، وحاول السادات إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد بالأمر، لكن الأسد اعتذر لأنه ينتمي الى أقلية لا يمكنه أن يتحمّل أن يسجّل له التاريخ مثل هذا الموقف وهذه الخطوة، حتى ولو كان الثمن استرجاع الجولان. يومذاك وفي اليوم الثالث من حرب 6 أكتوبر المجيدة أعلن الرئيس السادات قبوله الجلوس الى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، لأنه كما أعلن جهراً قائلاً: «لا أستطيع أن أحارب أميركا، فأنا لا أحارب إسرائيل وحدها».
وعلينا اليوم أن نعترف أنّ إسرائيل حققت انتصاراً كبيراً على العرب.. وبالأخص على حزب الله، وهي تحاول أن تفرض على لبنان مبدأ «أن يسلّم الحزب سلاحه للدولة»، وإلاّ ستبقى الحرب الإسرائيلية قائمة على لبنان. مع العلم أنه منذ يوم 27 تشرين الثاني 2024، أي منذ حوالى سنة، وإسرائيل يومياً تقتل وتدمّر القرى والأهداف التي تدّعي أنها أهداف عسكرية للحزب.. وبحجة هذه الكذبة تحوّل الجنوب والضاحية ومنطقة البقاع وبعلبك الى أماكن مدمّرة لأوّل مرّة في تاريخ الصراع مع إسرائيل.
وهنا، أقترح على الحزب أن يجنح الى السلام، إذ لا بدّ من الإطلاع على ما جرى مع الرئيس السادات وإسرائيل.
الوحيد في العالم الذي أدرك أنّ العدو الإسرائيلي لا يرغب في السلام، هو الرئيس أنور السادات.. لا أقول هذا الكلام من أجل الدفاع عن القرار الذي اتخذه، بل لأثبت صحّة قرار الرئيس السادات.
قبل ذهاب الرئيس السادات الى القدس في 19 تشرين الثاني عام 1977 في زيارة تاريخية، وإلقاء كلمة في الكنيست الإسرائيلي أرسل المرحوم الزميل أنيس منصور، وهو صحافي مصري كبير متزوّج من يهودية، الى القدس كي يرسل يومياً تحقيقاً للرئيس السادات عن ردود فعل قرار الرئيس السادات الذهاب الى القدس وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي.
يقول الزميل منصور، رحمة الله عليه، إنّه كان يتلقى اتصالاً هاتفياً يومياً الساعة 8 صباحاً، يقولون له: «هنا رئاسة حكومة إسرائيل، نريد أن نجري تعديلاً في الاتفاق». فيجيب الزميل: «يجب أن أتحدّث مع المسؤولين المصريين». وبالفعل كان يطلب الزميل رحمه الله من مكتب الرئيس المصري الجواب بعد نقل المطالب الإسرائيلية الجديدة ويأتيه الجواب بأنّ السادات موافق لأنه يريد أن يصل الى اتفاق.
الخلاصة، إننا فشلنا في حربنا ضد إسرائيل.. فلماذا لا نجرّب السلام، خصوصاً أنّ هناك مثالاً حقيقياً أمامنا وهو أن الرئيس السادات انتصر على إسرائيل بالسلام لسبب بسيط، هو أنّ إسرائيل لا تريد السلام.. لذلك عندما نقبل بالسلام فسوف تنتهي أسطورة إسرائيل.
aounikaaki@elshark.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.