الإستعداد للحرب… ينهيها

38

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

عام 1960 كانت الولايات المتّحدة الأميركية تملك 18 ألف قنبلة نووية فقط. لو أنّها فجّرت هذه القنابل لأدّى ذلك إلى مقتل 275 مليون شخص في الاتّحاد السوفيتي خلال الساعات الأربع الأولى، ولأدّى أيضاً إلى مقتل 325 مليون صيني على الرغم من أنّ الصين لم تكن طرفاً في الصراع. حتّى لو بقيت الصين على الحياد ولم تشترك في القتال، كانت الإشعاعات النووية المترتّبة على الانفجارات ستؤدّي إلى مقتل ما لا يقلّ عن 300 مليون صيني.

 أصبحت هذه القوة النووية التدميرية الأميركية من الماضي. تملك الولايات المتحدة الآن قوّة نوويّة أشدّ فتكاً. إنّ نظام “أوهايو” النووي الذي تعتمده الغوّاصات الأميركية الحديثة يتمتّع بقوّة تدميرية للقنبلة الواحدة تساوي 1,266 مرّة قنبلة من حجم القنبلة التي ألقتها الولايات المتّحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. أنتجت الولايات المتّحدة حتّى الآن 14 غوّاصة من هذا النوع. وهذا يعني أنّها بموجب هذا النظام النوويّ وحده تملك 17,724 قنبلة نووية.

مع ذلك، ولأنّ الولايات المتّحدة تعرف أنّ الاتّحاد الروسي والصين، وحتّى كوريا الشمالية، تطوّر قدراتها النووية أيضاً، قرّرت المضيّ قدماً في التطوير، فخصّصت في ميزانيّتها العامّة مبلغ ألفَي مليار (2 تريليون) دولار لتمويل مشاريع إنتاج قنابل نووية أشدّ فتكاً وأكثر عدداً.

حقيبة نوويّة

تُرافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب أينما حلّ وارتحل حقيبة خاصّة تحمل مفاتيح الأمر بإطلاق القنابل النووية. ترافقه هذه الحقيبة إلى غرفة النوم. ويفترض أن تكون في متناول يده على مدى 24 ساعة حتّى لا يتأخّر عند الضرورة في إعطاء الأمر بإطلاق القنابل النووية.

تعرف الولايات المتّحدة أنّ روسيا تملك أسطولاً من الغوّاصات المزوّدة بالقنابل النووية، وأنّ هذه الغوّاصات التي تتسلّل إلى الشاطئ الغربي الأميركي قادرة على إطلاق قنابلها نحو الولايات الأميركية الخمسين في عمليّة واحدة تستغرق 80 ثانية فقط. وحتّى إذا اكتشفت غوّاصة أميركية وجود هذا الأسطول الروسي، فإنّ ردّ الفعل لن يكون سريعاً بما فيه الكفاية لوقف الهجوم أو تعطيله.

اكتُشف هذا الأمر عام 1981 ولا يزال يُقلق القوّات البحرية الأميركية حتّى اليوم. تعرف الولايات المتّحدة أنّ الهجوم النووي الروسيّ من الغوّاصات المتسلّلة إلى مناطق قريبة من الشاطئ الأميركي الغربي، لا يحتاج إلى أكثر من سبع دقائق فقط لتحقيق أهدافه. إنّ كلّ ثانية (بل إنّ كلّ جزء من الثانية) سواء في عمليّة الهجوم أو الدفاع يُحسب لها كلّ الحساب. ولذلك ترافق الرئيس الأميركي حقيبة شيفرة الأمر بإطلاق القنابل النووية حتّى إلى المرحاض!

قوّة نوويّة تدمّر الأرض

إذا جُمعت القوى التدميرية النووية الأميركية إلى القوى المماثلة للاتّحاد الروسي والصين وكوريا الشمالية (إضافة إلى فرنسا وبريطانيا والهند وباكستان وإسرائيل)، فإنّ هذه القوّة النووية قادرة على تدمير الحياة على الكرة الأرضية، بل وعلى تدمير الكرة الأرضيّة من أساسها.

يصف الخبراء الأميركيون السلاح النوويّ بأنّه كان “لعبة أولاد” حتّى التسعينيّات من القرن العشرين إذا ما قورن بما هو عليه الآن. فقد تجاوزت القدرة التدميرية لهذا السلاح كلّ الحسابات وأسوأ التوقّعات… وكلّ المخاوف. يقول علماء الذرّة إنّه إذا أُلقيت قنبلة نووية اليوم من النوع الجديد على العاصمة الأميركية واشنطن مثلاً، فإنّ انفجارها سوف يؤدّي إلى إطلاق عاصفة ناريّة بحرارة تصل درجتها إلى 660 درجة مئوية، وإنّ الناس سوف تُشوى أجسادهم وهم أحياء.

لأنّ كلّ القوّى التي تملك سلاحاً نوويّاً من هذا النوع تعرف هول الكارثة التي يسبّبها استخدامه، فقد تتجنّب حتّى التهديد باستخدامه (ما عدا كوريا الشمالية). وعندما هدّدت الولايات المتّحدة بقصف كوريا الشمالية، اضطرّت إلى التراجع عن تهديدها لأنّ الصواريخ التي قد تطلقها تمرّ حتماً في سماء الاتّحاد الروسي، وهو ما قد يفسّره الكرملين بأنّه استهداف مقصود له.

الخطأ ممنوع

ارتكبت الولايات المتّحدة في القرن الماضي أخطاء سياسية تفجرت حروباً في فيتنام وكمبوديا. وقبل ذلك في كوريا. هذه المرّة الخطأ ممنوع لأنّ النتيجة يمكن أن تكون وبالاً على الإنسانيّة كلّها. يؤكّد هذا الأمرَ الجديدَ في الصراعات الدولية ما لم يحدث في أوكرانيا. فقد اضطرّت روسيا إلى تحمّل أعباء الحرب طوال سنوات القتال من دون أن تلجأ إلى السلاح النووي لحسمها. ولكن ماذا إذا وقعت الواقعة على الرغم من كلّ هذه المخاوف والمحاذير؟ يجيب علماء الاجتماع على هذا السؤال بأنّ الإنسانية أو ما بقي منها سوف تعود عشرة آلاف سنة إلى الوراء، أي إلى عصر ما قبل الزراعة.

تتحمّل مسؤوليّة الانتقال هذه التي تقرّر مصير سبعة مليارات من بني البشر، حفنة من الرجال يملكون سلطة الضغط على أزرار مشفّرة في حقيبة يد صغيرة تحمل الأوامر بإطلاق الصواريخ ذات الرؤوس النووية المدمّرة… مِن هؤلاء، بل وفي مقدَّمهم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب… فهل يفعلها؟!

محمد السماك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.