مصلحة سوريا… مع أميركا أم مع إيران؟

33

كتب عوني الكعكي:

سؤال لا بدّ من أن يسأله كل سوري وكل لبناني بل كل عربي، وهو: أين مصلحة سوريا والشعب السوري؟ هل هي في علاقتها مع إيران أم مع أميركا؟

وللإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من العودة الى التاريخ:

بداية تاريخ سوريا الحديثة أن الرئيس الوحيد في تاريخ سوريا الذي عاش فيها السوريون في حالة استقرار ونموّ كانت خلال 30 سنة من حكمه، أعني الرئيس حافظ الأسد، أي منذ عام 1970 الى 10 حزيران 2000. هذه الثلاثون سنة لم يحدث فيها مشاكل أو انقلابات سوى مشكلة «حماه» التي كانت محاولة من الإخوان المسلمين للسيطرة على الحكم في سوريا، وقد فشلت المحاولة وانتهى الامر.

الرئيس حافظ الأسد كان حريصاً على أفضل العلاقات مع أميركا… وللتأكيد على ذلك لا بدّ من العودة الى أيام بشار الأسد، كما أنه لا بدّ من التوقف عند الزيارة التي قام بها ريتشارد أرميتاج، المبعوث الاميركي الذي كان نائباً لوزير الخارجية الأميركية يومذاك كولن باول، الى دمشق، وكان الهدف منها الاتفاق بين الأميركيين وبين بشار على انتخاب رئيس جديد للبنان… وكان ذلك عند انتهاء عهد الرئيس إميل لحود.

اجتمع المبعوث الاميركي أرميتاج بالرئيس بشار الأسد وعرض عليه أن يقدّم الرئيس بشار ثلاثة أسماء يختار الأميركيون منها واحداً. وهكذا تم الاتفاق على أن يعطي أرميتاج الوقت لبشار كي يقدّم له الأسماء الثلاثة.

الرئيس بشار استدعى نائب الرئيس يومذاك عبد الحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع في لقاء عرض الرئيس بشار ما يطلبه منه الأميركيون. وكان ردّ نائب الرئيس عبد الحليم خدام وبشكل فوري: «إنها فكرة ممتازة وعرض أكثر من جيّد». أضاف خدام قائلاً لبشار:

«والدك حكم 30 سنة تميّزت بالاستقرار بسبب علاقاته المميّزة بالأميركيين، وأنا مع ما يعرضه الأميركيون، لأنه أكثر من جيّد، وعليك أن تختار 3 أسماء، وعندنا الكثير من الأسماء في لبنان يمكن أن نثق بهم ونرشحهم».

أما وزير الخارجية فكان رأيه مختلفاً، مع العلم أن فاروق الشرع كان في السبعينيات من القرن الماضي موظفاً في الطيران السوري ومسؤول عن علاقات الشركة… فأرسلته الشركة الى مكتبها في لندن ليتعلم اللغة الإنكليزية.

ثم عُيّـن مساعداً لوزير الخارجية عبد الحليم خدام، وذلك لأنّ الرئيس حافظ شعر بضغط العمل على الوزير خدام لاهتمامه بالملف اللبناني الذي كان يأخذ حيّزاً كبيراً من وقته، لذلك عُيـّن فاروق الشرع من أجل الاستقبالات والبروتوكول فقط لا غير…

بالعودة الى الاجتماع الليلي الذي دُعي إليه خدام والشرع:

كان رأي الشرع التمسّك بـ «إميل لحود» الذي يعتبر ضمانة للوجود السوري في لبنان وضمانة للمقاومة اللبنانية. فكان جواب خدام: «إنّ هذا الكلام غير مقبول، ولنفترض أن الرئيس إميل لحود مات، فماذا نفعل؟ هل معقول أن لا يكون هناك لنا موثوق به إلاّ إميل لحود؟». وأضاف خدام: «يا جماعة، أكثرية اللبنانيين هم معنا، وعندنا الكثير من الرجال الأكفاء من الطائفة المارونية، ويمكن الاعتماد عليهم والوثوق بهم… لذلك أقترح، أضاف خدام، أن نقدّم للمسؤول الأميركي Richard Armitage ثلاثة أسماء لنحافظ على علاقتنا بالولايات المتحدة، وإذا لم نفعل فسندفع الثمن غالياً»…

طبعاً، الرئيس العبقري بشار الأسد أجاب المبعوث الأميركي بالرفض. فقال له المبعوث: «سيدي الرئيس، قرارك خاطئ وستدفع الثمن غالياً، وسترى ذلك عما قريب».

هذه القصة عشتها، وأرويها كي أؤكد أن الاستقرار في سوريا بحاجة الى علاقات جيّدة مع الولايات المتحدة الأميركية.

وبالفعل، فقد نفّذت الولايات المتحدة الأميركية تهديد مبعوثها ريتشارد أرميتاج. فقد اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 في تاريخ الثاني من سبتمبر (أيلول) عام 2004، بتأييد تسعة أعضاء وامتناع ستة عن التصويت في إطار مع يُعرف بالفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بعد تدخل الرئيس الشهيد رفيق الحريري لدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك لمنع مجلس الأمن من اتخاذ القرار في إطار الفصل السابع الذي يسمح للمجلس باستعمال القوة لتطبيق القرار.

إشارة الى أن الرئيس الشهيد، كان قد زار بشار في دمشق قبل صدور القرار وأعلمه بأنّ هناك قراراً سيصدر. لكنّ بشار أهان الرئيس الشهيد بكلمات نمتنع عن تكرارها. ولم يجد الرئيس الشهيد مجالاً رغم الإهانة، إلاّ أن يلجأ للرئيس شيراك كما ذكرنا.

ومن بين البنود، دعا القرار 1559 الى تفكيك ونزع سلاح كافّة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في إشارة الى حزب الله.

وعلى الرغم من تهديد المبعوث الأميركي لبشار الأسد عدّل البرلمان اللبناني الدستور، مما سمح للرئيس لحود بالبقاء في الحكم ثلاث سنوات إضافية.

ومن تداعيات الرفض الذي اتخذه بشار ومتابعة لموقفه المتعنّت والعنيد، وفي الأول من تشرين الاول 2004 أصيب الوزير مروان حماده في محاولة اغتيال فاشلة. وفي 14 شباط 2005 اغتيل الرئيس رفيق الحريري قرب «السان جورج». وحدث انقسام حاد في البلد بين محوري 8 آذار و14 آذار.

وهنا أذكّر أنّ فاروق الشرع صرّح بعد صدور القرار 1559 بأنّ سوريا لن تنفّذ هذا القرار، وحجته أن إسرائيل لا تنفّذ القرارات الدولية. لكن الشرع نفسه عاد وأطلق تصريحاً ثانياً قال فيه: «نحن ذهبنا الى لبنان بطلب من الحكومة اللبنانية ولن نخرج إلاّ بطلب منها». ثمّ بدأ مسلسل تراجعاته حين هُدّدت سوريا بوجوب الخروج من لبنان وحدّد لها الوقت الأقصى في شهر أيار (مايو). ولكن الرئيس السوري بشار الأسد ألقى خطاباً أمام مجلس الشعب، أعلن فيه قرار سحب القوات السورية من لبنان.. وكان خروج آخر جندي سوري قبل شهر من المهلة المعطاة، ففي 27 نيسان (إبريل) 2005 أُعلن أن آخر القوات السورية وعناصر مخابراتها عبروا الحدود انسحاباً من لبنان مع استقالة حكومة عمر كرامي في 19 نيسان، وإجراء انتخابات عامة عام 2005 وإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان.

وقد نفّذت سوريا انسحابها من لبنان راضخة لقرار مجلس الأمن قبل الموعد المحدّد لها من قبل الهيئة الدولية.

أما بالنسبة للعلاقات مع إيران، فإنّ علينا أن نعود الى ما كان يفعله الرئيس حافظ الأسد بالتعامل مع الإيراني، وأعطي مثالاً: عندما عُرض عليه موضوع بناء مفاعل نووي، رفض الرئيس حافظ قائلاً: «إنّ نظامي لا يتحمّل مسؤولية الحفاظ على هذا المفاعل». الفرق أن بشار قبل ما رفضه والده، فكانت النتيجة إقدام إسرائيل على تدمير المفاعل النووي السوري بتاريخ 6 أيلول 2007 في محافظة دير الزور شرقي سوريا بغارة جوية (عملية البستان)، والذي كلف 6 مليارات دولار دفعتها إيران من المال العراقي.

أكتفي بتقديم بعض الأحداث التي أدّت الى تدمير سوريا، وعلى رأسها تسليم سوريا لإيران.. وأذكّر بالصورة التي جمعت محمود أحمدي نجاد وحسن نصرالله وبينهما الرئيس بشار وهم يرفعون أياديهم علامة النصر.

وهنا أسأل: لو كان الرئيس حافظ الأسد موجوداً… فهل يمكن لهذه الصورة أن تحدث؟.. طبعاً، لا. لأنّ الرئيس حافظ يعرف معنى ذلك، بينما الرئيس بشار، كما أقول دائماً، هو رئيس غبي لا يستحق أن يكون رئيساً… لقد أضاع سوريا، وأضاع معها الشعب السوري. ويكفي أنه تسلم سوريا من غير ديون، وفي البنك المركزي 50 ملياراً سلمها صافية لخلفه بشار.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.