قراءة في أبرز التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات النيابية

28

المحامي أسامة العرب
يشكّل قانون الانتخابات النيابية في لبنان محورًا دائمًا للنقاشات السياسية والدستورية، لكونه الأداة التي من خلالها يتجلّى مبدأ المشاركة الشعبية في الحكم. إلا أنّ هذا القانون، بصيغته الحالية، يُوصف من قبل كثيرين بأنه “هجيني”، لا يحقق عدالة التمثيل، ولا يعكس بدقة التوازنات الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع اللبناني. ولعل هذا ما يفسّر حدّة الجدل حول ضرورة إدخال تعديلات جوهرية عليه، خصوصًا في ظلّ سعي القوى السياسية الكبرى إلى الحفاظ على مكتسباتها النيابية وتثبيت مواقعها داخل السلطة.
أولاً: تمثيل الاغتراب… بين الحصر والمساواة
ينصّ القانون الحالي على تخصيص ستة مقاعد نيابية للبنانيين غير المقيمين، تُنتخب على أساس دوائر تمثل القارات الست، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين انتقاصًا من حق المغترب اللبناني في المشاركة الفاعلة. فالاقتصار على عدد محدد من المقاعد لا يراعي لا الحجم العددي للجاليات اللبنانية في الخارج، ولا انتشارها الجغرافي، ولا ديناميتها السياسية والاقتصادية. أضف إلى ذلك أن هذه الصيغة تفصل المغترب عن مجتمعه المحلي الأصلي في لبنان، وتحول دون مشاركته في صناعة القرار السياسي المحلي. من هنا، تبرز الدعوات إلى إلغاء هذا التخصيص، والإبقاء على حق غير المقيمين في الاقتراع في دوائر قيدهم، تمامًا كما حصل في انتخابات 2018 و2022.
ثانياً: إصلاحات تقنية – البطاقة الممغنطة والميغاسنتر
يشكّل تطوير الوسائل التقنية للاقتراع أحد أبرز مسارات الإصلاح الانتخابي. وتأتي البطاقة الإلكترونية الممغنطة في مقدمة هذه الوسائل، نظرًا لما توفّره من تسهيلات تتيح للناخب التصويت في مكان إقامته، ما يخفف من الأعباء اللوجستية، ويحدّ من الضغوط التي تمارسها القوى السياسية في البلدات والقرى. إلا أنّ تطبيق هذه الآلية يتطلّب مكننة شاملة للوائح الشطب، وتأمين بنية تحتية تكنولوجية متكاملة، وتوزيع بطاقات ذكية بطريقة شفافة تحظى بثقة المواطنين.
وفي الإطار ذاته، تطرح فكرة الميغاسنتر كحل عملي واقتصادي، يتيح إنشاء مراكز اقتراع مركزية في المدن الكبرى، يُسمح للناخب بالتصويت فيها بعد تسجيل مسبق. وقد أثبتت هذه التجربة فعاليتها في الاقتراع الخارجي، ويمكن أن تشكّل خطوة انتقالية نحو إصلاح شامل للعملية الانتخابية.
ثالثاً: العتبة الوطنية وتوسيع قاعدة التمثيل
يبرز من بين الطروحات الإصلاحية اعتماد عتبة وطنية موحدة للتمثيل، تُحتسب من مجموع المقترعين، بدلًا من اعتماد الحاصل الانتخابي لكل دائرة على حدة، وهو ما يعيد النظر في مبدأ العدالة الانتخابية. فالنظام الحالي، القائم على الحواصل الانتخابية، قد يؤدي إلى إقصاء قوى سياسية لمجرد عدم بلوغها سقفًا مرتفعًا في دوائر معينة. أما النظام المقترح، فيتيح لكل لائحة تنال 5% من مجمل الأصوات دخول المنافسة، ما يشجّع على التنوع السياسي ويعزّز تمثيل القوى الناشئة والمستقلة.
رابعاً: خفض سن الاقتراع
ينسجم اقتراح خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 عامًا مع المعايير الديمقراطية المعمول بها عالميًا، ويمنح فئة الشباب فرصة الانخراط المبكر في الحياة السياسية. وقد يساهم هذا الإجراء في إحداث تحوّل في المشهد الانتخابي، إذا ما اقترن بسياسات تحفيزية تشجع الشباب على ممارسة حقهم الانتخابي الواعي.
خامساً: لبنان دائرة واحدة وإلغاء الصوت التفضيلي
يرى بعض دعاة الإصلاح أن اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق النظام النسبي الكامل، مع إلغاء الصوت التفضيلي، واعتماد ترتيب مسبق للمرشحين على اللوائح، من شأنه أن يُخرج الانتخابات من الطابع الطائفي والمناطقي، ويمنحها بُعدًا وطنيًا. إلا أن هذا الطرح يُواجَه برفض واسع من بعض القوى، لا سيما الأحزاب المسيحية، التي تعتبر أن مثل هذا النظام قد يفضي إلى هيمنة الكتل الأكثر عددًا، ويؤدي إلى تراجع التوازن الطائفي الذي كرّسته الأعراف السياسية منذ اتفاق الطائف.
سادساً: إنشاء مجلس شيوخ… طموح مؤجّل
تنص المادة 22 من الدستور اللبناني على إنشاء مجلس شيوخ بعد إلغاء الطائفية السياسية، مهمته تمثيل الطوائف، فيما يختص مجلس النواب بالتمثيل السياسي غير الطائفي. إلا أن هذا النص بقي حبراً على ورق، نتيجة غياب الإرادة السياسية لتنفيذ الخطوة التمهيدية، أي إلغاء الطائفية من البرلمان. ومع ذلك، يُعاد إحياء هذا الطرح من حين إلى آخر، ويقترح البعض انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من قبل أبناء كل طائفة، مع توزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
سابعاً: الكوتا النسائية
في سبيل تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، يُقترح تخصيص 20 مقعدًا نيابيًا للنساء، تُوزّع مناصفة بين الطوائف. ورغم ما يحمله هذا الطرح من بعد إنساني وديمقراطي، إلا أنه يصطدم بمعارضة ضمنية في أوساط القوى التقليدية، ما يعرقل إقراره في المجلس النيابي.
ثامناً: العوائق السياسية والإدارية
تواجه مشاريع تعديل قانون الانتخابات مقاومة من غالبية الكتل النيابية الكبيرة، التي ترى في القانون الحالي ضمانًا لاستمرار نفوذها السياسي. كما أن مشروع البطاقة البيومترية، رغم أهميته، لم يُفعّل حتى اليوم، نتيجة التكاليف العالية وغياب البنية التحتية اللازمة.
أما الاقتراحات المرتبطة بتعديل تمثيل غير المقيمين، أو إنشاء مجلس شيوخ، أو تحويل لبنان إلى دائرة واحدة، فتبقى معلقة على مشجب التوافق السياسي، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الاصطفافات الطائفية الراهنة.
في المحصلة، إنّ الإصلاح الانتخابي في لبنان لا يقتصر على تعديل تقني هنا أو هناك، بل هو مسار يتطلّب رؤية وطنية شاملة تضع المصلحة العامة فوق الحسابات الطائفية والفئوية. ومن دون توفر إرادة سياسية صادقة وعابرة للطوائف، سيبقى القانون الانتخابي أداة بيد القوى النافذة، بدلًا من أن يكون رافعة للديمقراطية والعدالة والتمثيل الحقيقي.
المحامي أسامة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.