لماذا رفض ترامب اقتراح تغيير نظام طهران؟

19

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

كتب دونالد ترامب في منشور له على منصّته “تروث سوشيل” أمس الثلاثاء: “أنّ مستقبل إسرائيل وإيران مليء بالفرص والازدهار”، وذلك بعد ساعات من كشفه عن اتفاق شامل لوقف اطلاق النار بين الطرفين.

وكان ترامب وفي منشور له على نفس المنصّة يوم الأحد الفائت قال: “ليس من الصواب سياسيّاً استخدام مصطلح تغيير النظام، لكن إن لم يكن النظام الإيراني الحالي قادراً على جعل إيران عظيمة مرّة أخرى، فلِمَ لا يكون هناك تغيير للنظام؟”. قبل ذلك نفى الرئيس الأميركي ونائبه وأركان الإدارة وجود أيّ خطط لإسقاط النظام، في خطوة نأي بالنفس عن تلميحات بنيامين نتنياهو. فهل انتهت إلى غير رجعة نظرية إسقاط نظام طهران؟

لطالما اتُّهِمت إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة. هذا التوصيف هو المعتمَد دوليّاً في اتّهام طهران بدعم أذرعها في المنطقة والاعتماد على منظّمات خارج سلطة الدولة في بلدانها. رأى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الجمعة، في هذا السلوك علاقة لإيران بالإرهاب في المنطقة والعالم. بالمقابل تصف إيران سلوكها بأنّه تطوّر طبيعي لثورتها عام 1979 التي تتطوّع لتصديرها لتكون نموذجاً لتغيير الأنظمة في بلدان المنطقة.

لم توارِ إيران طموحاتها الإقليمية الكبرى وهدفها بأن تصبح دولة كبرى في الشرق الأوسط وآسيا وتكون جزءاً من تشكّلها وصيرورتها وقرارها. خرجت من طهران أصوات ليست بعيدة عن مركز القرار في إيران تتبجّح بأنّ “إيران تسيطر على 4 عواصم عربية”. لم تكن تلك الأصوات تتقلّد مواقع في السلطة التنفيذية، لكن لم تنفِ مصادر طهران الرسمية هذه المزاعم ولم تدحضها وبدت منتشية بأن تُسمع المنطقة موّالاً إيرانيّاً من هذا المقام.

تغيير السّرديّة

غيّرت إيران بارتباك سرديّة تصديرها للثورة في السنوات، ولا سيما في الأشهر، الأخيرة. زعمت أنّ الفصائل في المنطقة مستقلّة بقرارها، وأنّها لا تملك توجيه ما يصدر عنها وإن تقرّ بأنّها داعمة لها. لم تُقنع تلك السردية أهل المنطقة ولو أنّها أربكت عقائد “محور المقاومة” الذي اعتبرها نأياً إيرانيّاً مقلقاً بالنفس عن مفهوم “وحدة الساحات”. لكنّ هذه السردية تعايشت مع حاجة طهران إلى خفض التوتّر مع الجوار وفتح صفحة ودّ وتفاهم مع عواصمه، ومن ذلك إنجاز اتّفاق بكين مع السعوديّة في آذار 2023.

تغيّرت المنطقة أيضاً. لاقت العواصم طهران في استدارتها، فتجاوبت معها وشجّعتها والتزمت معها خطاب علاقات جيّدة لم تشوّهه “زلازل” كبرى كـ”طوفان” 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، والحرب التي شُنّت ضدّ لبنان مذّاك حتّى تشرين الثاني 2024، والتي صدّعت قوّة “الحزب” في لبنان الذي يمثّل أهمّ أصول إيران العسكرية والأمنيّة والأيديولوجية في المنطقة. جرى “زلزال” آخر في سوريا بسقوط نظام بشّار الأسد في تشرين الثاني 2024 من دون أن يتدهور خطاب طهران حيال دول المنطقة، لا سيّما السعوديّة التي باركت بسرعة تحوّلاً سوريّاً أنهى وجوداً إيرانيّاً استراتيجيّاً في سوريا وربّما في المنطقة.

أدرك الشرق الأوسط، لا سيما العالم العربي، قدرة إيران على زعزعة دوله. انقسمت الدول العربية والإسلامية في بعض المراحل بشأن مقاربة السلوك المضادّ لمواجهة الحالة الإيرانية. خفّت لاحقاً تلك الانقسامات واعتمدت تلك الدول مقاربة واحدة ساهمت في إنضاجها تحوّلات إيران التي قادت إلى تقارب نوعيّ في علاقة طهران والرياض. لكن للمفارقة ينسحب التخوّف ممّا تسبّبه إيران من زعزعة للاستقرار في المنطقة على ما يمكن أن تسبّبه الأخطار الحاليّة ضدّ إيران وبقاء نظامها السياسي الحاكم.

الدّول العربيّة: لا لإسقاط النّظام

اتّخذت الدول العربية، لا سيما الخليجيّة، إضافة إلى الدول الإسلامية، مواقف واضحة متحيّزة لإيران مستنكرة للحرب الإسرائيلية، ساعية إلى ممارسة ضغوط على إدارة الرئيس الأميركي لعدم التدخّل في حرب لا أفق واضحاً لها. ترفض هذه الدول، كما الدول المحيطة بإيران، لا سيما روسيا وباكستان والصين من ورائها، ما يُحكى عن خطط لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. لم تعد هذه الدول تستسيغ نماذج دراماتيكية مماثلة لتلك التي في ليبيا وأفغانستان والعراق.

يهدّد نظام الجمهورية الإسلامية في إيران المنطقة بعدم الاستقرار منذ أكثر من 45 عاماً، ويبدو أنّه يهدّدها بشكل جماعي مقلق في حال غيابه. إيران دولة كبيرة في المنطقة يسكنها حوالي 100 مليون نسمة موزّعين على شعوب وقوميّات لها امتدادات وراء الحدود. وهي دولة غنيّة بالموارد تحيط بها دول نفوذ قريبة ويسيل لثرواتها لعاب دول نفوذ بعيدة. وقد يذهب النظام الحالي إلى “خيار شمشون” دفاعاً عن بقائه، بما يهدّد أمن دول المنطقة جميعها واستقرارها، من دون أيّ معرفة بأعراض أيّ نظام بديل وحتّى القدرة أساساً على تشكّله.

عشيّة سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 بدا أنّ للأمر ديناميّات داخليّة شجّعت عليها إرادات خارجية كبرى وواكبتها، نقلت روح الله الخميني إلى حكم طهران. بقيَ الحدث داخل حدود إيران تتأمّله دول المنطقة تحت سقف الحرب الباردة وقواعدها. بدا أنّ الغرب يتخلّى على عجل عن “رجُلِه” في طهران ويستبدله بما يضمن بقاء إيران في الجبهة المعادية للاتّحاد السوفيتي آنذاك.

لا تتيح الظروف الراهنة للغرب ما أتاحته الظروف السابقة. نظام إيران عصيّ نظريّاً على السقوط عبر قصف جوّي لا يدعمه حراك برّي، سواء كان عسكرياً أجنبيّاً أو شعبيّاً ميدانيّاً. ولئن تفجّر مفاجآت التاريخ، على منوال ما جرى في سوريا حديثاً وفي الاتحاد السوفيتي قبل عقود، انهياراً غير محسوب، فلا رَجُلَ للغرب في طهران تغيّره ولا يبدو أنّ دولاً كبرى كالصين وروسيا مستعدّة لحماية رَجُلها الحليف هناك. هذا اللايقين بالذات هو الذي تخشاه دول المنطقة، وهي صادقة في سعيها إلى تجنّبه، وباتت أكثر قلقاً من خاطرة مرّت في ذهن رجل أميركا القويّ في واشنطن.

محمد قواص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.