دمشق: الاعتداء على الكنيسة… اعتداء على الإسلام

21

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

تطرح جريمة التفجير التي استهدفت كنيسة مار إلياس في دمشق سؤالاً عن موقف الإسلام من المسيحيّة، وموقفه من الكنيسة وأهلها، وموقفه من الجريمة التي تعرّضت لها. فالمسيحية هي المسيح وأمّه مريم. وهي الإنجيل والرهبان والكنيسة. فما هي المواقف الإسلامية من هذه القواعد الكلّيّة؟

 أوّلاً بالنسبة للمسيح، يصفه القرآن الكريم “بكلمة منه” (جزء من الآية 45 من سورة آل عمران). ويقول عنه: {وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين} (جزء من الآية 45 من سورة آل عمران)، ويقول عنه أيضاً: {يكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين} (جزء من الآية 46 من سورة آل عمران).

يقول أيضاً في القرآن الكريم: {وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس}، في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم. ولقد ورد التأييد بروح القدس في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم.

ثانياً بالنسبة للسيّدة مريم أمّ المسيح، يذكر القرآن الكريم على لسان الملائكة قولهم: {يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}، وهذا نصّ بالتطهير والاصطفاء خصّ به الله السيّدة مريم على نساء العالمين جميعاً ومن دون استثناء. ويقول القرآن الكريم عنها أيضاً: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين}.

الإنجيل في القرآن

يقول الإسلام في القرآن الكريم عن الإنجيل: {فيه هدى ونور}، ويقول للمسيحيّين {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه}، أي في الإنجيل. وعندما يتحدّث القرآن عن المسيحيّين يصفهم بأنّهم “أقرب مودّة للذين آمنوا” (من المسلمين)، ويفسّر ذلك بأنّ {منهم قسّيسين ورهباناً وأنّهم لا يستكبرون}. وهو الوصف القرآني الدقيق لرجال الكنيسة.

استكمالاً لهذه التوصية القرآنية، تضمّنت الوثيقة النبوية إلى مسيحيّي نجران التي صدرت عن النبيّ محمّد عليه السلام، قوله عن المسيحيّين:

“ولهم إن احتاجوا في مرمة (ترميم أو بناء) ببيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم إلى رفد (مساعدة) من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا. ولا يكون ذلك ديْناً عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ووفاء بعهد رسول الله وهبة لهم ومنّة لله ورسوله عليهم”.

واضح من هذا النصّ النبوي الشريف دعوة رسول الله المسلمين إلى مساعدة المسيحيين على بناء أو ترميم كنائسهم. وليس الاعتداء عليها، كما حدث في دمشق!

يذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك. ففي الوثيقة النبوية التي أُرسلت إلى دير سانت كاترين في سيناء يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رسالته:

“ووالله لأمنع كلّ ما لا يرضيهم. فلا إكراه عليهم ولا يُزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم. لا يحقّ لأحد هدم دور عبادتهم، ولا الإضرار بها ولا أخذ شيء منها إلى بيوت المسلمين. فإذا صنع أحد غير ذلك فهو يفسد عهد الله ويعصي رسوله”.

“وللحقّ إنّهم في حلفي ولهم عهد عندي أن لا يجدوا ما يكرهون… لا يجبرهم أحد على الهجرة ولا يضطرّهم أحد للقتال بل يقاتل المسلمون عنهم”.

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الرسالة النبويّة في هذا المضمون الواضح والمباشر حدثت في الوقت الذي وجّه فيه النبيّ عليه السلام رسائل إلى قادة دول ومجتمعات المنطقة يدعوهم فيها إلى الإسلام. وقد استثنى من الدعوة دير سانت كاترين، وذهب في هذا الاستثناء إلى عرض حمايته على الدير وأهله جميعاً، إذا تطلّب الأمر ذلك.

هذه الرسالة احتفظ بها الدير حتّى العهد العثماني، إذ حملها السلطان العثماني إلى إسطنبول حيث لا تزال محفوظة حتّى اليوم، وهي بنصّ نبويّ وبخطّ يد الإمام عليّ.

موقف الأزهر من العنف

في ضوء هذه الخلفيّات الدينية، صدر عن الأزهر الشريف في القاهرة (4 كانون الأوّل 2014) بيان يقول:

“إنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و”الميليشيات” الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمّةِ رافعةً زوراً وبهتاناً راياتٍ دينيّةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكراً وعاصيةٌ سلوكاً، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ. إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ هي جرائمُ ضدّ الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلاً وموضوعاً، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورةً مشوّهةً كريهةً عن الإسلام. من أجلِ ذلك فإنَّ هذه الجرائمَ لا تتعارَضُ مع صحيحِ الدِّين فحسب، ولكنَّها تُسيء إلى الدِّين الذي هو دين السلام والوحدة، ودِين العدل والإحسان والأُخوّةِ الإنسانيّةِ”.

جاء في البيان – الوثيقة أيضاً:

“التأكيدُ على أنَّ المسلمين والمسيحيّين في الشرقِ هم إخوةٌ، ينتمون معاً إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمّةٍ واحدةٍ، عاشوا معاً على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معاً في دولٍ وطنيّةٍ سيِّدةٍ حُرّةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعاً، وتحترمُ الحرّيَّات. إنَّ تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك. فقد كان هذا التعدّد وسيبقى مصدرَ غنى لهم وللعالم، يَشهدُ على ذلك التاريخ.

إنَّ علاقاتِ المسلمين مع المسيحيّين هي علاقاتٌ تاريخيَّةٌ، وتجربةُ عيشٍ مُشتَرك ومُثمِر، ولدينا تجاربُ يُحتَذى بها في مصرَ وفي العديد من الدول العربية الأخرى جرَى تطويرُها باتجاه المواطنة الكاملة حقوقاً وواجبات، ومن هنا فإنَّ التعرُّضَ للمسيحيّين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسبابٍ دِينيَّةٍ هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ وتوجيهاتِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وتنكّرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطن”.

وثيقة المقاصد الإسلاميّة

في هذا الإطار الإيمانيّ تضمّنت وثيقة المقاصد الإسلامية (22 حزيران 2015) نصّاً يقول:

“إنّ انتهاك حقوق الجماعات المسيحيّة في ممارسة حرّياتها الدينية وفي إعلاء رعاية شؤون كنائسها وأديرتها ومؤسّساتها التعليمية والاجتماعية، هو انتهاك لحقوق الإنسان، وانتهاك لحقوق المواطنة. وفوق ذلك هو انتهاك لتعاليم الإسلام الذي تُرتكب هذه الانتهاكات باسمه”.

“إنّ ثقافتنا الإيمانيّة تدعونا إلى نبذ الإكراه وإلى احترام حرّية الضمير وإلى تقبّل الاختلافات بين الناس على أنّها تعبير عن الإرادة الإلهية.. فللّه وحده سبحانه وتعالى سلطة الحكم على ما في قلوب الناس وعلى ما كانوا فيه يختلفون”.

في ضوء هذه النصوص الدينية الواضحة والمباشرة، لا تبدو جريمة الاعتداء على كنيسة مار إلياس في دمشق اعتداءً على الكنيسة وأهلها فقط، بل هو اعتداء على الإسلام وأهله أيضاً.

محمد السماك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.