“مارشال” سعوديّة: دمشق تنضمّ لرؤية بن سلمان

28

بقلم أحمد الراشاني

«أساس ميديا»

أطلقت السعودية نسختها السوريّة من خطّة “مارشال”، بحزمة استثمارات تصل إلى 6.4 مليارات دولار، لتقدّم نموذجها الجديد لمنظومة علاقاتها السياسية والاقتصادية في الإقليم، وهي منظومة يجدر بلبنان أن يتمعّن فيها ويفهمها جيّداً. والأهمّ ليس الرقم فحسب، بل نوعيّة الاستثمارات والتوجّهات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية التي تنطوي عليها.

في الإطار العامّ، أتت الرعاية من وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان لمشاركة وفد كبير شمل 20 جهة حكومية وأكثر من 100 شركة عامّة وخاصّة في منتدى الاستثمار السعودي السوري، لتوجّه رسائل في أكثر من اتّجاه بأنّ استقرار الحكم في دمشق ونهوض الدولة واقتصادها يحظيان بعناية فائقة من القيادة السعودية. وتلك الرسائل مهمّة في ظلّ التلاقي الموضوعي بين إسرائيل وإيران على مشروع الإطاحة بحكم أحمد الشرع لإعادة الصراع على سوريا إلى المربّع الأول.

على أنّ النموذج السعودي الجديد في إدارة مصالحه الإقليمية يقف على طرف النقيض من النموذج الإيراني الذي احترف على مدى نصف قرنٍ إنشاء شبكة من الميليشيات خارج إطار الدول وفوق سلطتها. ويقف على تباين سعوديّ مع النموذج القديم الذي كان يقدّم المنح والمعونات بقليل من الشروط والقيود المتعلّقة بحساب المصالح والعوائد السياسية والاقتصادية.

سوريا دولة موحّدة

في “المارشال” السوريّ، ترتبط الاستثمارات بالصورة الاستراتيجيّة الكبيرة للمنطقة العربية من جهة، وبالمصالح الاقتصاديّة التي تخدم “رؤية 2030” من جهة أخرى.

في الصورة الاستراتيجيّة، تعطي حزمة الاستثمارات إشارةً إلى رغبة الرياض برؤية سوريا دولةً موحّدةً ذات سلطة مركزيّة مقتدرة، على نقيض ما كانت عليه في الفلك الإيراني، حين كانت تُختزل بكونها ساحة خلفيّة لميليشيات الحرس الثوري وحلقة إمداد لـ”الحزب”.

لكنّ الصورة الاقتصادية ليست أقلّ أهميّة. فمن اللافت شمول الاستثمارات السعودية في سوريا قطاعات استراتيجيّة هي في صلب “رؤية 2030” التي أطلقها وليّ العهد السعودي قبل تسع سنوات.

إلى جانب الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والتطوير العقاري بنحو 2.9 مليار دولار، ومن ضمنها “برج الجوهرة” الذي تمّ وضع الحجر الأساس له، يمكن التوقّف عند ضخامة الاستثمارات في البنية التحتية للاتّصالات والأمن السيبراني، ودخول شركات عملاقة تابعة لصندوق الاستثمارات العامّة (الصندوق السيادي السعودي) فيها، لاسيما “إس تي سي” و”علم”. والشركة الأخيرة تحديداً كان لها الدور الأساس في التحوّل الهائل نحو “الحكومة الذكيّة” في السعودية في السنوات الأخيرة، الذي جعل المملكة تحلّ في المركز الرابع عالميّاً في مؤشّر الأمم المتّحدة للحكومة الإلكترونية.

قطاع الاتّصالات

ربّما يكون دخول عملاق قطاع الاتّصالات “إس تي سي” إلى السوق السوريّة على صلة بالمشروع الذي كشفت عنه دمشق قبل أسابيع لتطوير البنية التحتية للاتّصالات وبناء حلقة وصل بالألياف الضوئية بين أوروبا والخليج.

في قطاع الطاقة، يمكن التوقّف عند اسم رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري محمد بونيان الذي يعدّ من أبرز الأسماء العالمية في مجال استثمارات الطاقة المتجدّدة. فشركته “أكوا باور” (يمتلك صندوق الاستثمارات السعودي 44% من أسهمها)، لديها محفظة مشاريع طاقة متجدّدة وتقليدية بمئة مليار دولار في 14 دولة، وهي تطمح إلى رفعها إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030.

ربّما الأهمّ في ما يخصّ الدول المجاورة أنّ لدى الشركة أكبر مشروع للهيدروجين الأخضر في العالم في منطقة نيوم بالقرب من الأردن. وقد وقّعت الشركة الأسبوع الماضي اتّفاقات ومذكّرات تفاهم لتصدير الطاقة المتجدّدة والهيدروجين الأخضر إلى أوروبا. (الهيدروجين الأخضر نوع من الوقود النظيف الذي يتمّ إنتاجه من الطاقة المتجدّدة)، وهو ما قد يشير إلى إمكان أن تكون سوريا على خريطة خطوط الطاقة ذات البعد الاستراتيجي بين السعودية وأوروبا.

فرصة كبيرة لسوريا

تعبّر جملة هذه المشاريع عن تصوّر واضح لدى الحكم الجديد في دمشق بأنّ رؤية محمّد بن سلمان، ببُعدَيها الاقتصادي والسياسي، تمثّل فرصة لسوريا وللمنطقة بكاملها، وهو يقوم بما يجب أن يقوم به للاستفادة ممّا تفتحه من أبواب.

لا شكّ أنّ الإشارات التي حملها شكل الوفد الحكومي ومستوى التمثيل فيه وحجم الاستثمارات المعلنة وصلت إلى إسرائيل والمجتمع الدولي وتفيد بأنّ السعودية لن تتهاون تجاه محاولات تقويض استقرار سوريا تحت أيّ عنوان أو ذريعة.

أحمد الراشاني

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.