قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: رهانات السلام وإعادة التوازنات

35

المحامي  أسامة العرب

تتجه أنظار المجتمع الدولي نحو ولاية ألاسكا الأمريكية، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة غير مسبوقة، تأتي في لحظة فارقة من التاريخ المعاصر، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب الروسية–الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث دون بوادر حاسمة لنهايتها.

يمثل هذا اللقاء حدثًا استثنائيًا ليس فقط لأنه يجمع بين شخصيتين مثيرتين للجدل، بل لأنه ينعقد في ظرف دولي تتشابك فيه المصالح والصراعات، وتتعاظم فيه رهانات القوة والنفوذ على المسرح العالمي.

فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكّلت العلاقات بين واشنطن وموسكو – أو سلفها الاتحاد السوفيتي – في إطار ثنائية التنافس والصدام، كما تجسّد في الحرب الباردة، التي امتدت عقودًا وشهدت سباقًا نوويًا وصراعات بالوكالة في كل القارات تقريبًا. ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، فإن إرث الصراع لم يتبدد، بل تجدد في أشكال جديدة مع توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا، وصعود روسيا في عهد بوتين كلاعب يسعى إلى استعادة مكانتها العالمية، كما برز في أزمات جورجيا (2008) وأوكرانيا (2014) وسوريا (2015).

وفي ذات السياق، عرفت فترة رئاسة ترامب الأولى (2017–2021) ميلًا إلى إعادة صياغة العلاقة مع موسكو، وسط اتهامات بتدخل روسي في الانتخابات الأمريكية، ورغبة ترامب في كسر القوالب التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية. ورغم معارضة الكونغرس وحلفاء واشنطن الأوروبيين، أظهر ترامب انفتاحًا على الحوار مع بوتين، معتبرًا أن المواجهة المستمرة مع روسيا تعيق إمكانية تحقيق تفاهمات استراتيجية.

أما اليوم، فتأتي قمة ألاسكا في ظل استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية، التي تحوّلت إلى حرب استنزاف مفتوحة. فالغزو الروسي الشامل في فبراير 2022 أعاد رسم ملامح الأمن الأوروبي، وأدى إلى أكبر أزمة نزوح في القارة منذ الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن تداعياته الاقتصادية العالمية، خاصة في أسواق الطاقة والغذاء.

كما يحمل اللقاء المرتقب بعدين رئيسيين:

  1. إمكانية فتح مسار تفاوضي: قد يسعى ترامب، إذا ما أراد لعب دور الوسيط، إلى طرح مقاربات “خارج الصندوق” مثل ترتيبات أمنية جديدة أو صفقات لتبادل الأراضي. غير أن نجاح أي مبادرة يتطلب مرونة من موسكو وكييف، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل تمسك كل طرف بمطالبه الجوهرية.
  2. إعادة تشكيل التوازنات الدولية: إذا نجح ترامب في تحقيق تقارب مع بوتين، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير ديناميكيات التحالفات، وربما إضعاف الجبهة الغربية الموحدة خلف أوكرانيا. هذا الاحتمال يثير قلق العواصم الأوروبية التي تخشى من أي صفقة أمريكية–روسية على حساب الأمن الأوروبي.

من بين أبرز المخاطر، أن تمنح القمة روسيا شرعية دبلوماسية إضافية دون تقديم تنازلات ملموسة، أو أن تؤدي إلى إضعاف الموقف التفاوضي الأوكراني، خصوصًا إذا تم تجاوز كييف في صياغة أي اتفاق. كما أن غياب الشفافية حول مضمون المباحثات قد يفتح الباب أمام الشكوك والتفسيرات المتناقضة.

قمة ألاسكا، في جوهرها، ليست مجرد لقاء ثنائي، بل اختبار لقدرة النظام الدولي على إنتاج حلول سلمية لصراعات كبرى في عصر تتراجع فيه فعالية المؤسسات متعددة الأطراف. كما أنها ستكشف مدى قدرة الدبلوماسية الشخصية على إحداث اختراق في ملفات شديدة التعقيد، في وقت باتت فيه القوى الكبرى أكثر انكفاءً على مصالحها القومية وأقل استعدادًا لتقديم تنازلات.

ولا يمكن قراءة اختيار ألاسكا كمسرح لهذه القمة بمعزل عن موقعها الجغرافي الفريد، فهي نقطة التماس الأقرب بين الولايات المتحدة وروسيا عبر مضيق بيرينغ، وتشكل في الوقت ذاته بوابة استراتيجية نحو المحيط الهادئ. هذا البعد يضع القمة في إطار جيوسياسي أوسع، حيث تتقاطع مصالح واشنطن وموسكو مع ديناميكيات القوة في آسيا، خاصة في ظل صعود الصين كلاعب دولي ينافس النفوذ الأمريكي.

من منظور استراتيجي، قد ترى روسيا في أي تقارب مع واشنطن فرصة لتخفيف اعتمادها المفرط على بكين، بينما قد يستخدم ترامب ورقة الحوار مع بوتين لإعادة صياغة التوازنات في مواجهة الصين، سواء عبر فك الارتباط النسبي بين موسكو وبكين أو عبر رسم خطوط حمراء جديدة في القطب الشمالي والمحيط الهادئ. كما أن حضور ملف الأمن في بحر الصين الجنوبي وقضية كوريا الشمالية بشكل غير مباشر على جدول أعمال الزعيمين ليس أمرًا مستبعدًا، خصوصًا في ظل الترابط المتزايد بين الأزمات الأوروبية والآسيوية في الحسابات الاستراتيجية الكبرى.

في الختام، بين التفاؤل الحذر والتخوف المبرر، تقف قمة ألاسكا عند مفترق طرق: إما أن تفتح نافذة، ولو ضيقة، نحو تسوية سياسية للحرب في أوكرانيا، أو أن تتحول إلى محطة إضافية في مسار إعادة توزيع النفوذ العالمي. وفي الحالتين، فإن ما سيجري على أرض ألاسكا لن يبقى حبيس القاعات المغلقة، بل ستتردد أصداؤه في العواصم الكبرى، وسيشكل جزءًا من معادلة الأمن الدولي في السنوات المقبلة.

المحامي  أسامة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.