من بوتين إلى كيم: أبطال ترامب المُلهِمون
بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
لا رأي ناجزاً بشأن ما وراء حالة الإعجاب التي يكنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنظيره الروسيّ فلاديمير بوتين. لا تفسير “مؤامراتيّاً” يحسم أسئلة كثيرة التصقت بهذه الحقيقة، التي بدت فاقعة في ولاية ترامب الأولى. وصل الأمر آنذاك إلى حدّ تكذيبه لتقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية التي اتّهمت روسيا بالتدخّل في الانتخابات الرئاسية التي أتت به رئيساً عام 2016 مصدّقاً نفي بوتين وإنكاره.
اضطرّ ترامب لاحقاً، بعدما قدّمت له كلّ الأجهزة أدلّتها، إلى أن يقرّ بتدخّل روسيا لمصلحته ضدّ المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، متمسّكاً، طبعاً، برأي يؤكّد أنّ هذا التدخّل ليس وراء فوزه. وحين التقى ترامب ببوتين، في هلسنكي، عام 2018، ظلّ مضمون اللقاء (الذي اقتصر على مترجمين) مجهولاً ملتبساً، وطرح ألف سؤال وسؤال. غير أنّ الرئيس الأميركي لم يوارِ استمرار إعجابه ببوتين والانحياز لرؤاه.
يُقال إنّ ترامب يحترم ويقدّر حكم الاستبداد الذي يحرمه النظام السياسي الأميركي من ممارسته. والواضح أنّ الرئيس الأميركي منبهر بالحكّام “المنتخَبين” المعمّرين في الحكم، فيما نظام الرئاسة في دستور الولايات المتّحدة يتيح له (حتّى الآن وبانتظار فتاوى دستوريّة) التمتّع بولايتين متواليتين أو منفصلتين كلٌّ من 4 سنوات فقط لا غير. والأرجح أنّ الرئيس الأميركي القادم من خلفيّة “البزنس” واستبداد أرباب العمل الكبار، والكاره لـ”المؤسّسة” في بلاده لأنّها منافسة له في الحكم، يحلم أن يكون صاحب الأمر المطلق من دون منازع ولأجل غير مسمّى.
ماذا سأل ترامب عليّيف؟
قبل أيام، في 9 آب الجاري، ولمناسبة رعايته في البيت الأبيض لاتّفاق سلام وازدهار أبرمه الرئيسان الأرميني نيكول باشينيان والأذربيجاني إلهام عليّيف، سأل ترامب ضيفه الأذربيجاني عن المدّة التي ما يزال يشغل فيها السلطة في بلاده. ردّ عليّيف متفاجئاً، بل ومتلعثماً، أنّه يحكم البلاد منذ 22 عاماً. هزّ ترامب رأسه إعجاباً، معتبراً الأمر دليل ذكاء. والواضح أنّ أمر الحكم المديد يدغدغ أحلام ترامب ولا يستطيع تحقيقه، وإن يمرّر “بين الجدّ واللعب” احتمال ترشّحه للرئاسة في بلاده عام 2028.
يطمح ترامب إلى أن يتمتّع بالحكم من دون حدود زمنيّة. في ولايته الأولى أظهر توتّراً في العلاقة مع رؤساء غربيّين منتخَبين ديمقراطيّاً مثل رئيس وزراء كندا جوستين ترودو، مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. وعشيّة الولاية الثانية تولّى نائبه، جيه دي فانس، الهجوم على كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا، وتولّى الهجوم عليه لاحقاً حليف ترامب آنذاك إيلون ماسك. يمقت ترامب تلك النماذج “المؤقّتة” التي تطيح بها صناديق الاقتراع “الخبيثة”. لكنّه يُعجب بصدق بعليّيف وبوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي يصفه بالصديق.
يبحث عن ندٍّ في “العظمة”
من يراقب سياق عقد قمّة ألاسكا بين ترامب وبوتين، في 15 آب الجاري، سيستنتج أنّ الرئيس الأميركي غير معنيّ بقيَم مثل الديمقراطية والليبرالية واحترام الحدود بين الدول والقانون الدولي، حتّى إنّه غير معنيّ بقدسيّة التحالف الغربي نفسه. فشعار الـMAGA “لنجعل أميركا عظيمة من جديد” يتحدّث عن أولويّة أميركية خالصة لا تلحظ أن يكون الغرب عظيماً. حتّى إنّ ترامب يبدي ضيقاً من عشرات الدول المتجمّعة داخل حلف شمال الأطلسي أو الاتّحاد الأوروبي والتي لا يجد الرجل فيها ندّاً يجاري “العظمة” التي يصبو إليها لبلاده. وهو، للمفارقة، يلتقي مع بوتين في رعاية التيّارات الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرّف الكارهة لكلّ هذه التجمّعات العابرة للحدود.
لا يحتاج المرء إلى كثير من البحث ليصادف نقاط التقاطع بين ترامب وبوتين في استخدام التاريخ تارةً والمصلحة العليا للدولة تارةً أخرى لاستسهال عبث بالجغرافيا يفترض أنّه محرّم. نهل بوتين روايته من التاريخ القيصريّ والسوفيتيّ ليبرّر غزوته الأوكرانيّة التي يبدو ترامب مُعيناً له على جني حصادها. ولئن ذهب بوتين إلى تنفيذ أفكاره، فإنّ الأمر تمنّاه ترامب جهاراً، حتّى من دون كثير حرج أو معارضة في الولايات المتّحدة، بإعلانه خططاً للسيطرة على بنما أو ضمّ كندا أو شراء غرينلاند.للمفارقة نلاحظ تلك الديناميّة تماماً في علاقة ترامب مع الصين. ما يهمّه هو أن تبقى الصين وراء الولايات المتّحدة في المنافسة الاقتصادية داخل أسواق العالم. ويكاد يكون (كما مع روسيا) معترفاً بحقّ الصين في السيطرة على “مجالها الاستراتيجي” في جنوب شرق آسيا. فلا يبدي كثير اهتمام بمصير تايوان وإن تبقى السياسة الخارجية الرسميّة الأميركية بشأن الجزيرة واحدة في ظلّ إدارة الديمقراطيين والجمهوريّين.
نادي “المعمِّرين”
يُظهر إعجاباً أيضاً بالزعماء الأقوياء ذوي حقبات الحكم غير المحدّدة، ولا يخفي ذلك حتّى بالنسبة للزعيم الصينيّ شي جين بينغ. بدا متفهّماً لحقّ الصين في تايوان. وكما أبلغ قناة “فوكس نيوز”، قبل أيّام، فإنّ غزو الجزيرة “سيحدث”، ولو بعد حين، وكاد يقول: تماماً كما غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
لكنّ المهمّ حسب اعتقاده أنّ “ذلك لن يحدث ما دمت أنا في الحكم… شي جين بينغ أخبرني بذلك”. يحبّ ترامب هذا الإطراء الذي أسمعه إيّاه بوتين في ألاسكا بشكل مفتعل: “لو كان ترامب في الحكم لما حدثت الحرب”. لا يهمّ أنّ بوتين يجاريه بالزهو. يودّ ترامب أن يعترف به فلاديمير وشي وكيم وأن يكون داخل ناديهم.
محمد قواص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.