جلسة مجلس الوزراء: تسوية مؤقتة أم بداية مسار جديد؟
بقلم دافيد عيسى
هل خرج لبنان فعلاً من عنق الزجاجة بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أم أننا أمام هدنة مؤقتة سرعان ما ستنتهي؟ سؤال يفرض نفسه بقوة بعدما تحوّل النقاش حول سلاح حزب الله إلى البند الأكثر حساسية على جدول الأعمال، وسط مخاوف من انقسام حكومي أو انفجار الشارع.لقد شهدت البلاد توتراً شديداً في الأيام التي سبقت انعقاد الجلسة، إلا أنّ ما صدر عنها أتى على شكل تسوية سياسية اعتُبرت “مخرجاً مشرّفاً” أنقذ الحكومة من الانقسام الفوري، ومنع انتقال التوتر إلى الشارع.
لم يكن القرار ليرى النور لولا الدور المباشر لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي استفاد من خبرته الطويلة كقائد سابق للجيش ومعرفته الدقيقة بتوازنات الداخل وتشابك القوى على الأرض. هذا ما مكّنه من مقاربة الملف بواقعية، حرصاً على تجنيب لبنان منزلقات أمنية خطيرة. وإلى جانبه، لعب رئيس مجلس النواب نبيه بري دوراً محورياً عبر تنسيقه مع الرئيس عون وإصراره على تغليب المصلحة اللبنانية على المصالح الخارجية، فشكّلا معاً صمّام أمان حال دون انفجار داخلي.
القرار لم يذهب باتجاه الحسم أو المواجهة المباشرة، بل اعتمد صيغة مرنة تركت الباب مفتوحاً أمام احتمالات عدة. فقد أقرّ المجلس بضرورة وضع إطار وطني لمعالجة مسألة السلاح، وربط هذه الخطوة بالحوار الداخلي والتوافق الإقليمي والدولي، ما حال دون التصادم وأبقى الملف في دائرة البحث بدلاً من تحوّله إلى فتيل تفجير.
لكن سرعان ما تبيّن أنّ الورقة الأميركية المطروحة تشترط موافقة إسرائيل وسوريا معاً لتصبح نافذة. وبما أنّ إسرائيل رفضت إعطاء أي التزام، بقي الحل العملي معطلاً في الوقت الراهن، ما يجعل التسوية داخل مجلس الوزراء أقرب إلى هدنة مؤقتة منها إلى حلّ نهائي.
القوى الداعية لحصر السلاح بيد الدولة رأت في القرار خطوة ناقصة، لكنها آثرت تجنّب المواجهة خشية الانزلاق إلى صدام أهلي. في المقابل، اعتبر حزب الله وحلفاؤه أنّ ما جرى يكرّس قاعدة مفادها أنّ لا قرارات كبرى يمكن أن تمرّ من دون موافقتهم، الأمر الذي عزّز موقعهم التفاوضي.
الشارع اللبناني انقسم بدوره بين من ارتاح لعدم انزلاق البلاد نحو فتنة، ومن اعتبر أنّ الجلسة كرّست الأمر الواقع بدل تغييره. أما المواقف الخارجية فجاءت متباينة:
الولايات المتحدة تابعت بحذر، معتبرة أنّ ما جرى خطوة أولى لكنها غير كافية، ومشددة على ربط أي اتفاق بمسار تفاوضي إقليمي.
إسرائيل رفضت الدخول في أي التزام، ورأت في النقاش حول سلاح حزب الله محاولة لمساومة على أمنها القومي.
إيران وسوريا رحبتا بالتسوية التي منعت أي استهداف مباشر للحزب، بما يعزز نفوذهما في المعادلة اللبنانية.
ويبقى ان السيناريوهات المطروحة هي:
– استمرار التهدئة: بقاء الملف ضمن إطار الحوار الداخلي من دون قرارات كبرى، بما يسمح للحكومة بالعمل ولو ببطء.
– تصعيد خارجي: في حال أقدمت إسرائيل على خطوة عسكرية منفردة، ما قد ينسف كل ما جرى داخل مجلس الوزراء.
– تدويل الملف: عبر تحريك الورقة الأميركية مجدداً، ما يضع لبنان أمام خيارات صعبة بين الضغوط الدولية والتوازنات الداخلية.
في الختام نجحت جلسة مجلس الوزراء في تجنيب لبنان مواجهة داخلية خطيرة، بفضل الدور التوافقي للرئيس العماد جوزاف عون والرئيس نبيه بري، اللذين قدّما المصلحة اللبنانية على أي اعتبار آخر. لكن الملف يبقى مفتوحاً على تعقيدات إقليمية ودولية لا يملك لبنان وحده مفاتيح حلّها، ما يجعل المرحلة المقبلة محكومة بالتهدئة المشروطة وكسب الوقت بانتظار ظروف أكثر نضجاً.
ويبقى الأمل أن تعود لغة العقل لتتقدّم على لغة المصالح، وأن توضع مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات الخارجية، حتى يُفسَح المجال للبنانيين لالتقاط أنفاسهم بعدما أنهكتهم صراعات الآخرين على أرضهم.
دافيد عيسى
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.