نبيه بري: نجم المرحلة المقبلة في لبنان

بقلم مصباح العلي
استهداف قطر لم يكن خطوة عابرة في سياق الصراع الإقليمي، بل يعكس ذهنية اليمين الإسرائيلي الذي يرى أن أي قوة سياسية أو مالية داعمة لحركة حماس تشكّل عقبة لا بد من تحييدها. بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو والتياره، ضرب الدوحة يعني كسر أحد أهم الرعاة للحركات الفلسطينية، وفتح الطريق أمام مشروع أوسع يتجاوز غزة ليصل إلى لبنان.
في هذا المناخ، يُنظر إلى لبنان كساحة مفتوحة أمام مشروع مزدوج. فمن جهة هناك المسار الأمني والعسكري عبر الاغتيالات واستهداف البنية الصاروخية لحزب الله، ومن جهة أخرى هناك البعد السياسي الذي يرفع شعار “الدولة مقابل الدويلة”، ويضغط في اتجاه نزع السلاح وتحويل هذا العنوان إلى مطلب داخلي ملزم وشَرط خارجي لعودة الاستقرار.
الولايات المتحدة بدورها لا تنوي الاكتفاء بالمراقبة. فالتحرك الأميركي يذهب أبعد من الخطاب، نحو ضغط مباشر على الحكومة اللبنانية لإطلاق مسار عملي يترجم في ملفين أساسيين: مفاوضات حول تحييد السلاح أو ضبطه، والتحكم بمسار الاستحقاقات المقبلة وفي مقدّمها الانتخابات النيابية. هذه الضغوط تتقاطع مع التطلعات الإسرائيلية لتفكيك منظومة الردع التي راكمها حزب الله منذ حرب 2006.
الانتخابات المقبلة إذًا ليست تفصيلاً داخليًا، بل هي ساحة مواجهة مفتوحة بين محور المقاومة الذي يعتبر الغالبية النيابية ضمانة وجودية، وبين المحور العربي والغربي الذي ترى فيه السعودية مناسبة لتكريس التغيير الشامل في لبنان وإعادة صياغة التوازن السياسي.
وسط هذا المشهد المعقد يبرز اسم نبيه بري كرجل اللحظة. فهو أكثر من رئيس مجلس النواب، إنه ضابط الإيقاع في أي تسوية مقبلة. خبرته في تدوير الزوايا وقدرته على قراءة التوازنات تجعله لاعبًا لا يمكن تجاوزه، سواء في إدارة الضغوط أو في التوصل إلى تفاهمات تقلّل من احتمالات الانفجار. السؤال المطروح اليوم هو ما إذا كان بري سيقود عملية تكيّف تحفظ موقع حزب الله ضمن اللعبة الداخلية مقابل تقديم تنازلات محسوبة، أم أن الضغوط الإقليمية والدولية ستدفعه إلى حدود تعجز حتى خبرته عن تجاوزها.
السيناريوهات مفتوحة على أكثر من احتمال: تصعيد أمني يزيد من عزلة لبنان، أو احتواء سياسي يفضي إلى صفقة جديدة تقيّد السلاح تحت مظلة الدولة، أو فوضى طويلة الأمد تُضعف المؤسسات وتفتح الباب أمام فراغ شامل. في كل هذه الاحتمالات يبقى نبيه بري نجم المرحلة المقبلة، بحكم موقعه ودوره، وبحكم أن أي تسوية أو أزمة كبرى لا يمكن أن تمرّ من دونه.
مصباح العلي