هل اقتنع “الحزب” أخيراً؟
بقلم حسن فحص
«أساس ميديا»
أن يبادر الشيخ نعيم قاسم بالدعوة إلى فتح صفحة جديدة مع المملكة العربيّة السعوديّة يعني أنّ “الحزب” أجرى مراجعة سياسيّة وعقائديّة لكلّ خطابه السابق الذي اعتمده باتّجاه الرياض، وأنّه بات على استعداد للتخلّي عن خطابه الذي هيمنت الأيديولوجية والعقائديّة على مفرداته وشكّلت الصورة التي قامت عليها العلاقة المتوتّرة مع السعوديّة.
ليست هذه المبادرة نتيجة حوار داخليّ أو قناعة سياسيّة توصّلت إليها قيادة “الحزب” بعد قراءة للمتغيّرات الداخليّة والإقليميّة، أو محاولة للالتفاف على الضغوط التي يتعرّض لها الحزب ومشروعه السياسي الذي يعاني من شعور متزايد بالعزلة وفقدان القدرة على التأثير، أو ما يلاحق قدرته العسكريّة وجسمه المقاوم من ضغوط تهدف لإجباره على نزع سلاحه.
وما استثناء الجانب المرتبط بالصراع مع إسرائيل، والتأكيد أنّ المقاومة أو المشروع العسكريّ لـ”الحزب” لا يستهدف أيّ طرف عربيّ أو إقليمي، سوى اعتراف من قيادة “الحزب” بإلزاميّة هذا الممرّ، أي الحوار، لبناء جسور الثقة في هذه العلاقة التي لم تخرج في السابق عن حالة تعايش الضرورة الممزوجة بالعداء والتناقض.
إذا كان المعيار الحقيقيّ لتلقّف هذه المبادرة على المستوى العربيّ، وتحديداً السعوديّ، هو مدى تجاوب “الحزب” مع جهود إعادة بناء الدولة اللبنانية وتعزيز دورها ودور مؤسّساتها، أي تحويل المواقف إلى خطوات عمليّة وجدّية لتعزيز الثقة الداخليّة والعربيّة برغبته في تمكين الدولة من دورها وموقعها، فإنّ الشيخ – الأمين العام يدرك جيّداً أنّ الشروط السعوديّة لمثل هذه العلاقة لا يمكن أن تمرّ خارج مؤسّسات الدولة اللبنانية. ومن الصعب أن تكون علاقة مباشرة تسمح له بتوظيفها لتكريس نفسه مفاوضاً مباشراً مع الجانب السعوديّ، أو حتّى فرض نفسه لاعباً مؤثّراً في التسويات الإقليميّة.
زار السّعوديّة في السّابق
الشيخ – الأمين العام هو الشخصيّة الوحيدة من قيادات “الحزب” العليا المطّلعة وعلى معرفة بحساسيّات الرؤية السعوديّة وموقفها من الوضع اللبناني، ليس فقط من موقعه الجديد كأمين عامّ، بل أيضاً من دوره السابق حين قاد قناة تواصل بين “الحزب” والمملكة بعد حرب تمّوز 2006، وكان الشخصيّة الوحيدة الذي زار السعوديّة والتقى مسؤولين فيها بصفته الحزبيّة.
تصبّ مبادرة “الحزب” لتصفير الخلافات مع السعوديّة بوضوح في سياق الحراك الذي تقوده إيران عبر رئيسها مسعود بزشكيان والأمين العامّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ علي لاريجاني، الذي رفع أهميّة تعزيز علاقات إيران مع المحيط العربي والخليجي إلى مستوى ضرورات الأمن القوميّ والمصالح الاستراتيجيّة. وبالتالي تأتي هذه المبادرة لتعزيز التفاهمات وإزالة العقبات التي تعرقل القدرة على مواجهة التحوّلات المقبلة التي قد تشهدها المنطقة.
الزيارة التي قام بها لاريجاني للرياض الأسبوع الفائت سبقها بيوم واحد لقاء جمع وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان مع الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان على هامش قمّة الدوحة العربيّة الإسلامية. جاء لقاء لاريجاني مع وليّ العهد ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ترجمة لقناعة إيرانيّة بضرورة العمل على نسج تفاهمات وتحالفات إقليميّة حول القضايا الأساسيّة التي تشكّل أرضيّة مشتركة، ولا تلغي خصوصيّات أيّ طرف في علاقاته الخاصّة، التي تشكّل جزءاً من مصالحه القوميّة والاستراتيجيّة.
تأتي مبادرة “الحزب” استكمالاً للانفتاح الإيرانيّ على الرياض، وتكشف عن أبعاد ما دار من تفاهمات بين الطرفين ترتبط بالعلاقات الثنائيّة والتنسيق بينهما في ما يخصّ القضايا الإقليميّة، وضرورة رفع مستوى التنسيق والتعاون على قاعدة التعامل مع تداعيات الضربة الإسرائيلية للعاصمة القطريّة الدوحة وما يمكن أن ينتج عنها من انعكاسات وتطوّرات على المستوى الإقليميّ واستقرار وأمن المنطقة.
يستدعي تفكيك التوتّر على الساحة اللبنانية والحاجة إلى إعادة بناء الثقة من الأطراف المعنيّين، خاصة من الراعي الإيرانيّ، إحداث تغيير عميق وواضح وجدّيّ في قواعد العلاقة التي سيطر عليها التوتّر والعداء.
تشكّل الساحة اللبنانية أحد تعبيرات حراك إيران نحو منطقة غرب آسيا عموماً، وإقليم الشرق الأوسط خصوصاً، ونقطة انطلاق لاستكمال ما بدأت به من تفاهمات مع جارها الباكستانيّ بعد الضربة الإسرائيليّة الأميركيّة التي استهدفتها في شهر حزيران الماضي، والتي فرضت على طهران خيار توسيع وتعزيز هذه التفاهمات نحو السعوديّة على قاعدة الاتّفاق الاستراتيجيّ، الذي تمّ التوصّل إليه في بكين برعاية صينيّة في آذار 2023، وقد تساعد على بناء مظلّة إقليميّة أمام أيّ تحدّيات محتملة.
لا خشية من الاتّفاق مع باكستان
من هنا لا تنظر طهران إلى الاتّفاق الاستراتيجيّ الذي تمّ التوقيع عليه بين الرياض وإسلام آباد، ووضع السعوديّة تحت المظلّة النوويّة الباكستانية، باعتباره تهديداً لها أو موجّهاً ضدّها. بل يصبّ في إطار تعزيز التعاون الإقليمي الذي تطمح إليه، والذي من المفترض أن يُستكمل أيضاً بتفاهمات مع مصر مشابهة لِما حصل مع السعوديّة وباكستان.
يبدو أنّ التفاهم بين طهران والقاهرة بات أقرب إلى التحقّق كما لم يكن في مراحل سابقة، نتيجة الدور الإيجابيّ الذي لعبته الدبلوماسيّة المصريّة برعاية الرئيس عبدالفتّاح السيسي في توفير الأرضيّة لتوقيع الاتّفاق الأخير بين إيران والوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية، من أجل إسقاط الذرائع أمام واشنطن وتل أبيب من جهة، والترويكا الأوروبية من جهة ثانية، وقطع الطريق أمام أيّ حرب جديدة قد تتعرّض لها إيران بذريعة عدم التعاون في الملفّ النوويّ.
حسن فحص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.