السّعوديّة– باكستان– إيران: بن سلمان يعيد رسم موازين قوى المنطقة – 2

6

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

يُعتبرُ الاتّفاق السّعوديّ – الباكستانيّ بدايةً لتعاونٍ أمنيّ عربيّ – إسلاميّ لصونِ الأمن القوميّ للدّول العربيّة. إذ تشير معلومات “أساس” إلى أنّ دولتَيْن عربيّتَيْن ستُوقّعان اتّفاقاً للدّفاع المُشترك مع باكستان. ولعبَ قائد الجيش الباكستانيّ المشير عاصم منير الدّور الأبرز في صياغةِ الاتّفاقِ بعيداً عن الأضواء. وهو الذي خدمَ سابقاً في الرّياض حين كانَ برتبةِ مقدَّم.

إعادة توازن القوى

لا ينفصلُ ما حصلَ من اعتداءٍ إسرائيليٍّ على الدّوحة الأسبوع الماضي، والهجوم الإسرائيليّ على إيران في حزيران الماضي، عن طيّات الاتّفاق. إذ إنّ التّغوّل الإسرائيليّ في الاعتداء على سيادةِ دُول المنطقة استوجَب أن تكونَ باكستان ضمن استراتيجيات الأمن العربيّ. أظهرت التّصريحات الإسرائيليّة عن باكستان، أثناء جولة القتال مع إيران ووقوفِ إسلام آباد بصفّ طهران،  حجمَ القلق المُتبادل بين تل أبيب وإسلام آباد.

على الرّغم من ذلكَ لا يمكن القول إنّ الاتّفاق هو ردّة فعلٍ آنيّة، بل هو تعبيرٌ عن موقفٍ سعوديٍّ وعربيٍّ بتنويع مصادر القوّة، في ظلّ غِياب السّيطرة الأميركيّة على التفلّت الإسرائيليّ في المنطقة، بخاصّةٍ أنّ السّعوديّة لا تعتبرُ الاتّفاق أداةً للمواجهة على قدرِ ما هو لتثبيت ميزان الرّدعِ في المنطقة وحماية الاستقرار في دُول الخليج العربيّ.

التقطَت “الرّادارات السّعوديّة” المُتغيّرات في الشّرق الأوسط فأعادَت ترتيب التّحالفات وفقَ الحسابات التي تُناسبُ الأمن القوميّ السّعوديّ والخليجيّ. إذ يُعبّر الاتّفاق عن حالة القلق العامّ في المنطقة، ولذا ذهبَت الرّياض نحوَ الاتّجاهات التي تُحقّق الاستقرار من جهةٍ، وتثبّت الجهوزيّة في حال لمَست أيّ تهديدٍ لأمنها من جهةٍ أخرى.

رسائل الاتّفاق

المُتغيّرات التي يشهدُها الشّرق الأوسط بشكلٍ مُتسارِعٍ منذ عمليّة “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، دفعَت الرّياض إلى البحثِ عن شريكٍ أكثر موثوقيّة. هكذا يُمكنُ استخلاصُ مجموعة رسائل وجّهتها الرّياض بتوقيعها اتّفاق الدّفاع المُشترك مع إسلام آباد:

  • إعادة صياغة تعريف التّحالفات: كانت الرّياض تقول بوضوحٍ وهدوءٍ إنّها تمتلكُ بدائل جاهزة وحاضرة وموثوقة خارج المظلّة الأميركيّة في المنطقة. أكّدت تجارب السّنوات الأخيرة من الاعتداء الحوثيّ على منشأتَيْ “بقيق” و”هجرة خريص” التّابعتَيْن لشركة “آرامكو” عام 2019، وصولاً إلى الاعتداء الإسرائيليّ على العاصمة القطريّة ودُول المنطقة، ضرورة تنويع التّحالفات الدّفاعيّة والأمنيّة والعسكريّة وتعزيزها ضمنَ دول المنطقة.
  • تعزيز الرّدع السّعوديّ والعربيّ: يضعُ الاتّفاق القوّة النّوويّة الباكستانيّة في صفّ المملكة، وهو ما سيؤدّي إلى ترسيخِ توازنٍ يردعُ التّهديدات التي يُمكن أن تتعرّض لها السّعوديّة أو باكستان. ويؤكّد الاتّفاق أنّ الرّياض قادرة على إعادة التّوازن إلى المنطقة في ظلّ تجاوز تل أبيب للخطوط الحمر غير مرّة، وانكفاء الدّور الإيرانيّ بعد سقوطِ نظام بشّار الأسد وضربِ “الحزبِ” في لبنان.
  • إعادة تنشيطِ المشروع العربيّ في المنطقة: أدّى انكفاء المشروع الإيرانيّ وتمدّد مشروع إسرائيل في ظلّ سعيِها إلى تهجير سكّان قطاع غزّة، إلى إيجادِ فرصة لإعادةِ إحياء العمل العربيّ – الإسلاميّ المُشترك. إذ إنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو لا يُخفي نيّته المُضيّ قُدُماً في ما يُسمّى بـ”إسرائيل الكُبرى” بمعناها الأمنيّ، التي تشملُ لبنان وسوريا والعِراق والأردن وشبهَ جزيرة سيناء المصريّة ومنطقةً واسعةً من شمال السّعوديّة.

لا يُمكن قراءة توقيع الاتّفاق بعيداً عن المشهدِ الدّوليّ المُعقّد، وأبرز ما فيه التعقيدات في العلاقة بين أميركا والهند، الغريم التّقليديّ لباكستان، وإصرار واشنطن على الحِفاظ بل وتعويم إسرائيل لتكون شريكاً وحليفاً أساسيّاً في المنطقة.

القوّة.. والدّبلوماسيّة معاً

تعطي هذه الوقائعُ الاتّفاقَ وقعاً ثقيلاً في عاصمة القرار الأميركيّ، التي تخشى ابتعادَ حلفائها عنها نحوَ الصّين، التي تُعتبر من الحلفاء الأساسيّين لباكستان، ومن أبرز الشّركاء الاقتصاديّين لدول الخليج العربي.

من جهتها، لا تلحظُ المملكة الأسباب الأمنيّة والعسكريّة فقط، بل والأُطر السّياسيّة. إذ لا تزال واشنطن على موقِفها من عنوان “حلّ الدّولتَيْن” للقضيّة الفلسطينيّة، بل إنّ رئيسها دونالد ترامب ذهبَ بعيداً في ما أعلنه أثناء وبعد حملتهِ الرّئاسيّة من نيّة دعم تهجير سكّان غزّة ودعم السّيادة الإسرائيليّة على الضّفّة الغربيّة.

في المُقابل تقودُ السّعوديّة التحالف الدّولي للاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة الذي كان آخر فصوله “إعلان نيويورك” في الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة، التي تبنّت بأكثريّة تاريخيّة مشروعَ القرار الذي يدعم الاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة وتأكيد حلّ الدّولتَيْن خياراً وحيداً لإنهاء الصّراع العربيّ – الإسرائيليّ.

هذا يعني أنّ الرّياض تعملُ على خطَّيْن متوازيَيْن:

الأوّل: تعزيز القوّة الرّادعة وتنويع التحالفات الدّفاعيّة.

الثّاني: تعزيز دور الدّبلوماسيّة والسّياسة في تحقيق السّلام في المنطقة تحت عنوان “حلّ الدّولتَيْن”.

يمنحُ التّوازن بين القوّة والسّياسة المملكةَ موقعاً أساسيّاً لا يُمكنُ تجاوزه في إعادة صياغة المشهد في المنطقة، الذي تُعادُ صياغتُهُ منذ اختلال التوازنات بعد السّابع من أكتوبر.

بكلامٍ آخر، وجّهت الرّياض رسالةً إلى تل أبيب وواشنطن مُفادها أنّ المملكة لم تنسحب من مشروع السّلام والاستقرار في المنطقة، لكنّها في الوقت عينه تحملُ أوراق القوّة التي تجعلها تعيد التّوازن إلى الإقليم متى دعت الحاجة، وأنّ أمن الخليج العربيّ هو خطّ أحمر لدى قيادة المملكة لا يُمكن التّهاون في حمايته.

أمّا إسلام آباد فتجدُ بالاتّفاق فرصةً لا تُعوَّض لدخول معادلات المنطقة وتكون لاعباً مركزيّاً بتكاملِ قوّتها النّوويّة مع قوّةٍ تُوفّر لها الرّافعة الاستراتيجيّة اسمها المملكة العربيّة السّعوديّة.

ابراهيم ريحان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.