قوّة البعوضة.. حقيقة علمية
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
تفتك بالمجتمعات الأفريقية حشرة صغيرة أصغر من حجم الذبابة تُعرف باسم «تسي تسي». ما أن تتمكن هذه الحشرة من الوصول إلى أي جزء من أجزاء جسم الإنسان حتى يُصاب بمرض النوم، بحيث لا يكاد يفتح عينيه حتى يغلقهما ثانية، ويبقى في حالة استرخاء دائم.. بلا تفكير ولا عمل ولا قدرة حتى على خدمة الذات. وأدّى انتشار هذا المرض إلى البطالة ومن ثم إلى الفقر. كما أدّى إلى ارتفاع نسبة الوفيات المبكرة، مع كل ما يترتب عليها من مآسٍ عائلية وكوارث اجتماعية.وتدخّل العلماء لمعالجة الأمر، فوجدوا أن الحشرة «تسي تسي» التي تعض الإنسان هي الأنثى، وأنها تقوم بهذه العملية ليس بنيّة الإيذاء، ولكن لامتصاص كمية من دم الإنسان تتغذى عليها أجنّتها لدى خروجها من البويضات التي تحتفظ بها داخل أحشائها.
ووجد العلماء أيضاً أن هذه الحشرة، «تسي تسي»، تمارس عملية التلقيح مع الذكر مرة واحدة فقط في حياتها. ومن خلال الجمع بين هذين الاكتشافين الطبيين، وجد العلماءُ حلاً يعتمد أسلوبَ تعقيم الحشرة الذكر، ووجدوا أن التعقيم يمكن أن يتمّ من خلال تعريض هذا الحيوان إلى أشعة «غاما». ولا يمنع التعقيم التزاوج، ولكنه يمنع تكوّن البويضات. ومع عدم وجود هذه البويضات تنتفي حاجة الحشرة الأنثى إلى الدم لتغذيتها. وبذلك تتوقف عن مهاجمة الإنسان لامتصاص دمه. ذلك أن الحشرة عندما لا تشعر بأنها «حامل» بالبويضات، لا تجد حافزاً للحصول على الدم.. وبالتالي تتوقف عن ممارسة العض!
واعتمد العلماء هذا الأسلوبَ لمعالجة حالات أقل خطراً، ولكن أكثر شيوعاً في مجتمعات العالم. وهي الحالات المترتبة عن حشرة البرغش (أو الناموسة) التي تنتشر حيث توجد المياه الراكدة في كل المجتمعات الإنسانية.
وهنا أيضاً الحشرة التي تتولى عملية العض لامتصاص الدم هي الأنثى. وللسبب ذاته، وهو تأمين الغذاء للبويضات التي تحملها في أحشائها. وأكد العلماء صحة النظرية التي تقول إن تعقيم هذه الحشرة بالأشعة لا يمنع التزاوج ولكنه يؤدي إلى عدم تكوّن البويضات.. وبالتالي إلى وضع حدّ للتكاثر.
كذلك لاحظ العلماء أن الذكر من هذه الحشرة عندما يتوجه نحو الأنثى يصدر صوتاً معيناً، وأن الأنثى تتمنّع عن الاقتراب من الحشرة المذكر، وأنها ما إن تسمع صوتَه حتى تلوذ بالفرار.. وعندما تسمع صوته وهو يطير نحوها تحاول الابتعاد والاختباء لتبقى بعيدة عن متناوله.
وعلى أساس هذه البيانات العلمية أنتج العلماء جهازاً إلكترونياً صغيراً يُطلق صوتاً مثل صوت الذكر، فتهرب الأنثى لدى سماعه.. وينجو الإنسان من عضها المؤلم.. وتنجو المجتمعات من مرض الملاريا القاتل الذي تتسبّب فيه هذه الحشرة الصغيرة.
تذكّرنا هذه الحقائق العلمية بالآية الكريمة رقم 26 من سورة البقرة حيث يقول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ». صدق الله الخلاق العظيم.
محمد السماك
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.