بريجيدا تُنقذ الجنود الإيطاليّين في لبنان

7

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

عندما توفّيت النجمة السينمائية الإيطالية الشهيرة جينا لولو بريجيدا، نشرت مجلّة “إيكونوميست” البريطانية مقالاً رثائيّاً عنها (4 شباط 2023)، أشارت فيه إلى تأثيرات بريجيدا المباشرة وغير المباشرة على بعض الأحداث العامّة. من ذلك ما ذكرته المجلّة نقلاً عن صحيفة “البيان” التي تصدر في دبي بالإمارات العربية المتّحدة من تجنيب القوّات الإيطاليّة التي دخلت لبنان خلال الحرب أيّ اعتداء.

خلال الحرب “اللاأهليّة” في لبنان، وبموجب مبادرة دوليّة لوقف التقاتل، دخلت قوات أميركيّة وفرنسيّة وإيطاليّة وانتشرت في مواقع متعدّدة من بيروت وضاحيتها الجنوبية. تمركزت القوّات الأميركيّة قرب مطار بيروت. أقامت القوّات الفرنسيّة في منطقة الرملة البيضاء. أمّا القوّات الإيطالية فتمركزت في ضاحية بيروت الجنوبية بالقرب من مقرّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على طريق المطار.

تعرّضت القوّات الأميركية (قرب المطار) لعمليّة “فدائيّة” كبيرة ذهب ضحيّتها عدد كبير من أفرادها بين قتيل وجريح. وتعرّضت القوّات الفرنسيّة لعمليّة مماثلة ولو أنّ عدد الضحايا كان أقلّ. أمّا القوّات الإيطالية فلم تتعرّض لأيّ عمل عدائيّ، مع أنّها كانت في حضن ضاحية بيروت الجنوبية وبين كفّيها، أي في متناول المقاومة.

لماذا تحييد الإيطاليّين؟

ارتفعت علامات استفهام كبيرة عن أسباب تحييد القوّات الإيطالية من دون الأميركيّة والفرنسيّة. ساد الاعتقاد يومها بأنّ لإيطاليا علاقات عاطفيّة وودّيّة تاريخيّة مع لبنان، وأنّها لم تكن طرفاً في استعماره أو استغلاله على عكس فرنسا والولايات المتّحدة.

غير أنّ مجلّة “إيكونوميست” البريطانية الموثوقة عادة نقلت في عددها الصادر في 11 شباط 2023 عن الجريدة الإماراتيّة “البيان” توضيحاً منسوباً إلى وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت العماد مصطفى طلاس قال فيه إنّه تدخّلَ شخصيّاً وأمرَ بعدم الاعتداء على القوّات الإيطالية وعدم التعرّض لها بأيّ سوء تعبيراً عن إعجابه ومحبّته لنجمة الإغراء السينمائيّة جينا لولو بريجيدا.

قال إنّه منذ مطلع شبابه كان معجباً بها، وإنّه ما كان يريد أن يسمح بسقوط دمعة واحدة من عينيها حزناً على ما قد يصيب أيّ جنديّ إيطالي في لبنان. هكذا أنقذ إعجاب وزير الدفاع السوري طلاس بالنجمة السينمائية الجميلة القوّات الإيطاليّة من التعرّض لأيّ عمليّة “فدائية” على النحو الذي تعرّضت له القوّات الأميركية والفرنسية. أنقذت ممثّلة جميلة قوّات بلادها من المصير الدمويّ لأنّ وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت كان معجباً بفنّها وبتألّقها السينمائيّ.

شخصنة الحسابات

تكمن أهمّية هذه القصّة التاريخيّة في رمزيّتها. عندما يكون القرار بيد خارجيّة، فإنّه يخضع لحسابات خارجيّة إلى حدّ الشخصنة. لو كان وزير الدفاع السوريّ طلاس مثلاً معجباً بالممثّلة الفرنسية بريجيت باردو (التي لا تقلّ جمالاً وإثارةً للفتنة عن بريجيدا) لربّما وفّر على القوّات الفرنسيّة الضحايا الذين سقطوا في العمليّة التي استهدفتهم في منطقة الرملة البيضاء. يمكن أن يُقال الشيء ذاته عن الممثّلة الأميركيّة مارلين مونرو والقوّات الأميركية في حرم مطار بيروت الدوليّ. حاول الرئيس الإندونيسيّ الأسبق سوكارنو أثناء زيارة رسميّة له لواشنطن مراودة مونرو فابتزّته الإدارة الأميركيّة في ذلك الوقت دون أن يحقّق رغبته.

لم تسجّل وقائع من هذا النوع مع قوّات “اليونيفيل” الدولية في جنوب لبنان. وقعت أحداث زواج شرعيّ فرديّة. مع ذلك لم تشفع لهذه القوّات بالنجاة من التعرّض لتجاوزات استهدفت عرقلة أو تعطيل عملها. لكن ربّما أخطر وأسوأ ما تعرّضت له كان على يد القوّات الاسرائيلية التي قصفت مواقعها مراراً وأصابت بعض عناصرها. ثمّ إنّ هذه القوّات تنتمي إلى دول متعدّدة ومختلفة الأعراق والأديان على خلاف ما كانت عليه تجمّعات القوّات الأميركيّة والفرنسيّة والإيطاليّة في الثمانينيّات من القرن الماضي.

محمد السماك

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.