وقف إطلاق النار في غزة: خطوة أولى نحو سلامٍ عادلٍ وشامل

40

بقلم دافيد عيسى

يشكّل الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين “إسرائيل” وحركة “حماس” في مرحلته الأولى، والذي يهدف إلى إنهاء الحرب المدمّرة على قطاع غزة، تطوّرًا بالغ الأهمية في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

فهذا الاتفاق، وإن كان مؤقتًا بطبيعته، يُعدّ خطوة أولى على طريق وقف دائم لإطلاق النار، وبارقة أمل لإنهاء واحدة من أكثر المآسي الإنسانية قسوة في التاريخ الحديث.

على مدى الأشهر الماضية، شهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، خلّفت آلاف الضحايا المدنيين ودمّرت البنية التحتية الأساسية للحياة. ومعاناة السكان فاقت كل حدود الاحتمال في ظلّ الحصار والدمار وانعدام أبسط مقوّمات العيش.

من هنا، يكتسب وقف إطلاق النار أهمية قصوى، إذ يتيح المجال لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة، وإعادة تأهيل المستشفيات، وتأمين الغذاء والماء والكهرباء، بما يخفّف من آلام الشعب الفلسطيني ويعيد له بعض مقوّمات الصمود والحياة.

كما يتجاوز وقف إطلاق النار في غزة البعد الإنساني ليشكّل محطة سياسية مهمّة على طريق إعادة إحياء المسار السلمي في الشرق الأوسط. فنجاح هذه المرحلة الأولى من الاتفاق يفتح الباب أمام مفاوضات جدّية نحو تسوية شاملة، تستند إلى مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002، والتي تطرح رؤية واضحة لسلام عادل ودائم يقوم على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

إن تجاوب “إسرائيل” مع الدعوات الدولية والعربية لوقف عدوانها في فلسطين ولبنان وسوريا، يُعدّ مدخلًا أساسيًا لإعادة بناء الثقة وتهيئة المناخات الإيجابية لاستئناف الحوار من أجل سلام شامل. كما أن الضغط الدولي المتزايد، ولا سيما من القوى الكبرى ومنظمات الأمم المتحدة، كما يشكّل عنصر توازن ضروري لإلزام جميع الأطراف بالالتزام بوقف النار واحترام القانون الدولي الإنساني.

وهنا لا بد من ان نسجَّل للدول العربية والإسلامية، إلى جانب الوساطة المصرية-القطرية المدعومة من الأمم المتحدة، دور محوري في إنجاح اتفاق وقف إطلاق النار. فاستمرار هذا الجهد الدبلوماسي يُعدّ الضمانة الأساسية لتحويل الهدنة إلى اتفاق دائم، ولإطلاق مسار سياسي جديد يُعيد للقضية الفلسطينية موقعها المركزي على أجندة العالم العربي والمجتمع الدولي.

وفي هذا الإطار، تبرز الحاجة إلى موقف عربي موحّد يرفض التطبيع المجاني ويدعم الحقوق الفلسطينية الثابتة، وفي مقدّمها حق العودة وتقرير المصير، بما يعيد التوازن إلى العلاقات الإقليمية ويفرض على “إسرائيل” احترام القرارات الدولية.

نحو سلامٍ عادلٍ وشامل

إن وقف الحرب على غزة لا يجب أن يكون نهاية الأزمة، بل بدايتها نحو حلّ جذري وشامل يعالج أسباب الصراع من جذوره. فاستقرار الشرق الأوسط لن يتحقّق إلا بسلامٍ عادلٍ يُنصف الشعب الفلسطيني ويضمن له دولته المستقلة وكرامته الوطنية.

من هنا، تبدو مسؤولية المجتمع الدولي مضاعفة في هذه المرحلة: تثبيت وقف إطلاق النار، إعادة إعمار غزة، وإحياء مفاوضات السلام على أساس المرجعيات الدولية ومبادرة بيروت للسلام. فبدون ذلك، ستبقى دوامة العنف تدور، ويظلّ الأمن والاستقرار حلمًا بعيد المنال.

دافيد عيسى

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.