الرياض تنتصر بهدوئها على ضجيج اليمين الإسرائيلي

14

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش ضد السعودية ليست زلة لسان بل محاولة لإعادة تأطير معادلة التطبيع على قاعدة لا ثمن فلسطيني حتى مع السعودية وقد صاغها بلغة استعلائية حين قال (لا شكرًا ابقوا تركبون الإبل) ثم عاد واعتذر تحت ضغط انتقادات داخلية وخارجية من دون أن يتراجع عن جوهر موقفه الرافض لربط التطبيع بقيام الدولة الفلسطينية هذا التسلسل يكشف وظيفة مزدوجة للخطاب من خلال تعبئة قاعدة يمينية ترى في الدولة الفلسطينية تهديدًا بنيويًا وابتزاز الطرف المقابل بتكلفة رمزية مهينة سرعان ما تبين أنها أعلى من مكاسبه الشعبوية بدليل الارتداد السريع إلى اعتذار لغوي لا سياسي.
الدفاع عن السعودية هنا ليس دفاعًا عن كرامة دولة فحسب بل عن منطق استراتيجي واضح تبنته الرياض مبكرًا لا اعتراف ولا علاقات كاملة من دون مسار جدي نحو دولة فلسطينية ذات سيادة وضمانات أمنية متبادلة لان هذا موقف سيادي متماسك عبّرت عنه المملكة مرارًا وتكرارا على لسان قيادتها وبياناتها الرسمية مقرونًا برؤية ربطت أي اندماج إقليمي شامل بشرعية سياسية تنهي الإدارة الأمنية للنزاع وتفتح طريق الحل على أساس الدولتين.
بهذه المقاربة لم تقايض السعودية مكانتها أو مصالحها برسالة رمزية عابرة بل رفعت سقف المسؤولية الدولية عن تسوية عادلة وأكدت أن التطبيع ليس هبة تمنح بلا ثمن أخلاقي وقانوني والأهم أن الرياض لم تكتف بالاشتراط الأخلاقي بل قادت مع باريس ديناميكية دبلوماسية أعادت هندسة الإطار الدولي لحل الدولتين (مؤتمر الأمم المتحدة المشترك في نيويورك ) وما تلاه من إعلان أممي واسع فالدعم وضع خطوات ملموسة ومؤطرة زمنيا وغير قابلة للتراجع نحو الدولة الفلسطينية وربط الاعتراف والتطبيع الإقليميين بتقدم فعلي على هذا المسار .
عمليًا أسست السعودية بمساندة فرنسا مرجعية سياسية تتجاوز مزاج الحكومات وتدرج الحل ضمن جدول أعمال المجتمع الدولي وهو ما يفسر حساسية الخطاب الإسرائيلي المتشدد تجاه أي ربط بين التطبيع والدولة الفلسطينية.
على المستوى العملي تختبر تصريحات سموتريتش فرضية قديمة جديدة في بعض الدوائر الإسرائيلية مفادها أن السلام الاقتصادي والتطبيع الجزئي كفيلان بتجاوز المعضلة السياسية ولكن اليمين لن يفهم أن واقع القوة السعودية اليوم اقتصاديًا واستثماريًا وطاقيًا وتقنيًا ضمن رؤية عشرين ثلاثين وشبكة شراكاتها مع قوى كبرى وقدرتها على بناء توافقات عربية يجعل أي ازدراء علني مكلفًا دبلوماسيًا ويضعف حجة التطبيع المجاني لان المملكة تمتلك الرافعة الأهم المطلوبة إسرائيليًا وغربيًا لإغلاق الدائرة الإقليمية لكنها تربطها بشرعية عادلة.
ومن ثم فإن الخطاب المهين لا يغير المعادلة بل يرفع كلفة المماطلة على تل أبيب ويعزز صلابة الموقف العربي الذي تقوده الرياض بالشراكة مع عواصم فاعلة مثل باريس والقاهرة والدوحة وعمان دبلوماسيًا .
علما بأن الاعتذار المتعجل فضح أن المعركة الحقيقية ليست على اللغة بل على الإطار هل يدار الملف الفلسطيني كملحق أمني أم كقضية تقرير مصير تتطلب مسارًا سياسيًا ملزمًا .
لهذا السعودية دفعت بالإطار الثاني إلى مسرح الأمم المتحدة ومنصات الاعتراف الدولي وأحكمت الربط بين وقف النار في غزة وإعادة الإعمار والحكم الرشيد من جهة ومسار الدولة من جهة أخرى وبقدر ما يصر اليمين الإسرائيلي على فصل المسارين بقدر ما تظهر الرياض أن أي فصل مصطنع سيحكم على كل ترتيبات ما بعد النار بالهشاشة.
لذلك فإن دفاعنا عن موقف المملكة هو دفاع عن مقاربة تحول القوة الاقتصادية والشرعية الدينية والثقل السياسي إلى أدوات لصناعة سلام قابل للحياة لا لتسوية شكلية قصيرة العمر .
خلاصة القول إن هجوم سموتريتش اللفظي ارتد مؤشرًا على ضيق أفق التطبيع بلا ثمن أكثر مما أصاب المملكة فقد أظهر أن الرياض تمسك بمفتاح الشرعية الذي تحتاجه أي صيغة إقليمية وأنها قادرة حين تستفز على تذكير خصومها بأن طريق الاعتراف لا يمر عبر الشتائم بل عبر الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وبمعادلة أمن متبادل يعكس القانون الدولي وهنا تبدو السعودية لا فقط في موقع من يرد على إهانة بل في موقع من يحدد شروط لعبة التوازن الإقليمي المقبلة رضي من رضي وأبى من أبى.
اللواء الدكتور عبداللطيف
بن محمد الحميدان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.