ترامب “يحاصر” إسرائيل: فتّش عن الرّياض

10

بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
يعوّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نجاح خطّته لوقف الحرب في غزّة سبيلاً لإنهاء الصراع في المنطقة وفق ما يطمح. أجبر رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو على قبولها، ويصبّ باتّجاهه ضغوطاً متدافعة لا تتوقّف لمنعه من إجهاضها والتستّر وراء أيّ ذريعة لتأجيل وقف الحرب.
خمس شخصيّات أميركيّة رفيعة المستوى تتناوب وتتقاطع على زيارة إسرائيل على نحوٍ غير مسبوق، لممارسة تمارين متشابهة تهدف إلى “إفهام” الحكومة الإسرائيليّة أنّ واشنطن جادّة، وأنّ الحرب يجب أن تنتهي في غزّة. وتكاد “دبلوماسيّة التكرار” في ما يردّده الزائرون الأميركيّون تؤتي ثمارها تحت سيف ترامب المصلت الذي يتوعّد بوقف التعاون مع إسرائيل في حال لم تجرِ الرياح كما تشتهي سفنه.
مسرحيّة سياسيّة أم مناورة غبيّة؟
جاء الثنائي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر يحمل إلى إسرائيل وصايا ترامب وتهديداته. الأوّل بصفته مبعوثه وصديقه الذي بات عرّاب الملفّ وتفاصيله، والثاني بصفته صهر الرئيس، أي من قلب العائلة، وكان له باعٌ كبير حين كان مستشار ترامب في الولاية الأولى، في تدبير خطط ليست بعيدة عمّا صاغه ترامب ذات يوم في 20 بنداً.
لكنّ ترامب أرسل أيضاً وزير الخارجيّة ماركو روبيو وما يمثّله داخل المؤسّسة الأميركيّة وذراع سياسة البلاد الخارجية. وذهب إلى إرسال “ظلّه” الدستوريّ، نائبه جيه دي فانس، الذي ردّد بدقّة توجيهات الرئيس ووصاياه. أمّا الشخصيّة الخامسة فهو الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزيّة للجيش الأميركي، المكلّف بتنسيق تنفيذ الخطّة، ولا سيّما مرحلتها الأولى، وتوجيه القوّة الأميركيّة المشرفة ميدانيّاً على تفاصيل التنفيذ.
اضطرّت الحكومة الإسرائيليّة إلى النأي بنفسها عن تصويت الكنيست المتعلّق بضمّ الضفّة الغربية. ادّعى وزير الخارجيّة جدعون ساعر أنّ الأمر “مسرحيّة سياسيّة” ولعبة داخليّة من إعداد المعارضة. واضطرّ مكتب نتنياهو إلى إدانة التصويت واعتباره “استفزازاً”، على الرغم من أنّ المشروع الذي جرى التصويت عليه في الكنيست مقدَّم من الائتلاف الحكومي وليس من المعارضة. والظاهر أنّ إسرائيل فقدت اللغة الضبابيّة التي كان يعامل بها ترامب الضفّة الغربيّة في تلميحه سابقاً إلى الاستعانة بها لتوسيع مساحة ما اكتشفه أثناء حملته الانتخابيّة من أنّ إسرائيل “بلد صغير”.
وصف جيه دي فانس تصويت الكنيست بأنّه “مناورة غبيّة”. وردّد ما صدر عن الرئيس الأميركيّ من أنّ الولايات المتّحدة لن تقبل بضمّ الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل، بما يعني أنّ تلك الأراضي لن يصيبها ما أصاب القدس والجولان من اعترافٍ بهما ضمن السيادة الإسرائيليّة من قبل ترامب نفسه في ولايته الأولى. والواضح أنّ الأمر عائد إلى خضوعه لضغوطٍ بدت حازمة من قبل الدول العربيّة والإسلاميّة، كما أقرّ ترامب مؤكّداً أنّه أعطى وعداً لها يتعهّد بالالتزام به.
الضغوط هائلة من قبل ذلك الإنزال الدبلوماسيّ الأميركيّ الذي هبط على إسرائيل مدعّماً بمواقف للرئيس الأميركيّ لا تتوقّف. قال لصحيفة التايم متحدّثاً عن نتنياهو: “كان عليه القبول بالخطّة، فلا يمكنه الوقوف وحيداً بوجه العالم”. حتّى بتسلئيل سموتريتش، الذي يُعرَف بأنّه الوزير المتطرّف، أظهر زيف ذلك التعريف، وأنّه بيدق يحرّكه نتنياهو وفق أجندته. اضطرّ إلى الاعتذار من السعوديّة على تصريحٍ ضدّ المملكة بسبب اشتراطها إقامة دولة فلسطينيّة قبل أيّ تطبيعٍ مع إسرائيل، فيما تناوبت شخصيّات إسرائيليّة على إعلان أنّ هذا الرجل لا يمثّل إسرائيل.
ترامب أنصت للمملكة؟
لم يكن هجوم سموتريتش على الرياض إلّا وليد قناعة إسرائيليّة، ليس نتنياهو بعيداً عنها، بأنّ كلّ الضغوط الأميركية المكثّفة والاستثنائية سببها موقفٌ سعوديّ قاد دول المنطقة ثمّ العالم إلى إطلاق تيّار عالميّ أنصت إليه ترامب، يؤكّد ما بدا أنّه بات لسان حال العواصم، بما فيها واشنطن، وهو أنّ الحرب يجب أن تتوقّف في غزّة، وأن لا حلّ إلّا بالذهاب إلى إنهاء الصراع. حتّى إنّ خطّة ترامب لم ترَ النور إلّا بعد ساعاتٍ من اجتماعه في 27 أيلول الماضي في نيويورك مع ثماني دول عربيّة وإسلاميّة ناقشت الخطّة ومنحت ترامب رعايتها وفق شروطٍ تعهّد بتنفيذها.
تتقدّم خطّة ترامب. وتعمل ورشٌ بشكلٍ مكثّف للدفع بها. تبدو كلّ العواصم المنخرطة في الملفّ مهتمّة بتنفيذ أدوارها في هذا الشأن. في أروقة الأمم المتّحدة تعمل فرنسا وبريطانيا على إعداد مشروع للتصويت عليه في مجلس الأمن لمنح “قوّة الاستقرار الدوليّة” شرعيةً أمميّة. فيما تؤكّد معلومات نيويورك أنّ الولايات المتّحدة تدفع باريس ولندن لصياغة نصٍّ يحظى بإجماعٍ لا يُجهضه فيتو مفاجئ، على الرغم من أنّ مشاركة دول عربيّة وإسلاميّة في تلك القوّة، والموقف الإيجابي لدول المنطقة من الخطّة، تقي مشروع القرار شرور فيتو من قبل الصين أو روسيا.
يعوّل ترامب على هذا الإنجاز الذي يريده أن يُسجَّل في تاريخه كأوّل رئيس أميركي ينجح في حلّ أكثر قضايا العالم تعقيداً منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. يجنّد لتحقيق ذلك أفكاراً من خارج الصندوق، بما فيها ردّه على سؤالٍ بشأن الإفراج عن القياديّ الفلسطينيّ مروان البرغوثي. لم يستغرب السؤال ولم يُفاجَأ بالاسم، وقال: “سأتّخذ قراراً قريباً”.
محمد قواص

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.