إجراء الانتخابات النيابية يترنّح بانتظار الحسم الأميركي
مصباح العلي
يشهد لبنان مرحلة سياسية ضبابية تتشابك فيها التوترات الأمنية مع الانقسامات الداخلية، ما يجعل أي استحقاق دستوري عرضة للتأجيل أو إعادة الترتيب وفق متغيرات خارجية. وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل على الحدود الجنوبية، وتنامي الحشود العسكرية المقابلة، يعود لبنان إلى موقعه القديم: دولة متأرجحة بين ضغوط الخارج وعجز الداخل.
تقدّم التوتر الأمني على أي سياق سياسي
التصعيد الإسرائيلي في الجنوب ليس مجرد توتر حدودي، بل عامل ضغط مباشر على البيئة الداخلية. فمع ارتفاع وتيرة المناوشات، باتت الحسابات الأمنية تتقدم على الاعتبارات السياسية، وتحديداً مع خشية الدولة من انزلاق الوضع نحو مواجهة واسعة. هذا المناخ يجعل تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها أمراً غير محسوم، إذ لا يمكن لأي سلطة أن تقود عملية انتخابية فيما الجنوب يشهد تقلبات يومية تُربك كل المؤسسات.
في المقابل، تتعامل القوى الداخلية مع هذا المشهد بخفة علنية وثقل باطني؛ فهي تُظهر أمام الإعلام استعداداً لإنجاز الانتخابات، لكنها في العمق تشعر بأن الظروف لا تخدمها انتخابياً، وأن أي تغيير في الواقع الأمني قد يقلب نتائج صناديق الاقتراع رأساً على عقب.
سوريا خارج العزلة… ولبنان في المراوحة
بالتوازي، تستعيد سوريا تدريجياً موقعها الإقليمي بعد سنوات من العزلة، وتنسج علاقات جديدة مع دول عربية تعيد فتح قنوات تواصل معها. هذه العودة السورية ترفع منسوب القلق داخل لبنان، الذي يجد نفسه اليوم في حالة شلل سياسي واقتصادي، بينما تتقدّم دمشق خطوة بخطوة نحو إعادة التموضع.
ووسط هذه الصورة الإقليمية المتحركة، يبقى لبنان عالقاً في حالة مراوحة قاتلة. فالدولة غير قادرة على صياغة خطة تعافٍ، والطبقة السياسية عاجزة عن إنتاج توافق داخلي، فيما القوى الخارجية تؤخّر أي حل بانتظار تبلور موازين المنطقة.
خطة نزع السلاح… وخروجها من التداول
خطة الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله تبدو عملياً مجمّدة. موقف قائد الجيش واضح لجهة وقف تنفيذ الخطة، في انسجام مع توجيهات رئيس الجمهورية التي تضع حماية الجبهة الجنوبية فوق أي تصور آخر. هذه المقاربة تعكس إدراكاً بأن مسألة السلاح ليست مسألة داخلية صرفة، بل جزء من شبكة توازنات إقليمية لا يمكن للدولة معالجتها من دون غطاء دولي أو تفاهمات إقليمية واسعة.
وقف الخطة ليس قراراً محلياً فقط؛ فغياب الدفع الأميركي لتنفيذها جعلها أقرب إلى “ورقة استخدمت ثم طويت” مع تبدّل الأولويات الدولية.
الملف اللبناني على الطاولة الأميركية… ولكن بلا قرار
أبرز عناصر المشهد الراهن يتمثل في غياب موقف أميركي حاسم. واشنطن تتابع الملف اللبناني من زاوية ثلاثية: مراقبة التوتر مع إسرائيل، إدارة العلاقة مع إيران، ومراجعة موقع سوريا المستجد. في ظل هذا الاشتباك، تتراجع أهمية الملف اللبناني ليصبح ملحقاً بالملف الإقليمي، لا بنداً مستقلاً.
وحتى الآن، لا تملك الولايات المتحدة رؤية متكاملة للبنان. فهي تمارس ضغوطاً مالية وسياسية متزايدة، لكنها لا تقدّم مساراً واضحاً للخروج من الأزمة. كما أن وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى سيشكّل اختباراً أولياً لاتجاه الريح الأميركية: هل ستضغط واشنطن لتأمين استحقاق الانتخابات؟ أم ستترك لبنان في دائرة الانتظار إلى حين نضوج التسويات الإقليمية؟
انتخابات مؤجلة بغطاء غير معلن
رغم المواقف المعلنة، لا تظهر الطبقة السياسية رغبة فعلية باستحقاق انتخابي قريب. فالأحزاب الأساسية تخشى تبدّل المزاج الشعبي في ظل انهيار اقتصادي، وتراجع الخدمات، وتبدّل التحالفات. كما أن أي تطور أمني قد يُستخدم ذريعة لتأجيل الانتخابات، سواء بفعل المخاوف اللوجستية أو بفعل انتظار الإشارة الأميركية.
عملياً، تبدو الانتخابات النيابية محاصرة بين ثلاثة عوامل:
غياب الاستقرار جنوباً
جمود سياسي داخلي
وارتباك أميركي لم يحسم الخيار بين الاستمرار في إدارة الأزمة أو الدفع نحو استحقاقات جديدة
بالمحصلة ، لبنان يقف اليوم أمام مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالات عدة، لكن الثابت أن أي قرار داخلي مرتبط عضوياً بالموقف الأميركي. وحتى تتضح الرؤية الأميركية، سيبقى استحقاق الانتخابات معلّقاً بين الرغبة الدستورية والواقع الأمني، وبين ضغوط الخارج وعجز الداخل.
مصباح العلي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.