إقرار الورقة الأميركية: رصيد وطني مؤجّل الدفع

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

ما قبل جلستي الثلاثاء والخميس للحكومة اللبنانية ليس كما بعدهما. نجح لبنان بالحصول على “فترة سماح” إضافية من المجتمع الدولي بإقراره بند حصر السّلاح، وإقراره بنود أهداف الورقة الأميركية على طاولة مجلس الوزراء. وهو ما كان شرطاً أساسيّاً من شروط المبعوث الأميركي توم بارّاك الذي أعطى حتى الأوّل من آب مهلة نهائية لإقرار هذا البند. وبينما نجح لبنان، بإصرار من رئيس حكومته نواف سلام أولاً، بتخفيف وطأة الضغط الميداني والاقتصادي، أدخل قرار مجلس الوزراء هذا البلد في تخوّف من اشتباك سياسي داخلي.

من أين بدأ سلام؟

في زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى باريس حيث التقى الرئيس إيمانويل ماكرون، أدرك سلام أنّ الوضع أخطر مما يظنّه البعض. ففرنسا التي طالما كانت إلى جانب تدوير الزوايا في لبنان، أبلغت بصراحة بالغة سلام أنّ البلد لن ينجو في حال عدم إقرار بند حصر السلاح بالشروط الدوليّة في الحكومة. فلا تجديد لليونيفيل لأنّ فرنسا لن تستطيع تحمّل كلفة التمويل كاملاً بعد سحب التمويل الأميركي، ولا مؤتمر دعم وإعادة إعمار طالما المملكة العربية السعودية ليست مشاركة فيه، ولا استقرار أمني طالما إسرائيل مصممة على نزع السّلاح بالقوة في حال فشل السلطة اللبنانية بذلك.

عاد سلام وأبلغ ذلك إلى رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وبدأ العمل على عقد جلسة حكومية لطرح بند السّلاح. تواصل الرئيس جوزاف عون مع “الحزب” وجرى النقاش في الصيّغ التي يمكن أن يوافق عليها مجلس الوزراء بالإجماع، على أن يبدأ حصر السلاح بالسلاح الفلسطيني قبل سلاح “الحزب”، وعلى ألا يُقر حصر السّلاح وفق خطة زمنية يحدّدها مجلس الوزراء، بل جرى الاتفاق على إقرار البند وإحالته إلى المجلس الأعلى للدفاع أو إلى الجيش اللبناني، وهناك توضع الخطة وفق الأولويات اللبنانية ووفق جدول زمنّي لا تحدّده الضغوط الدولية كما طلب “الحزب”.

زار سلام قصر بعبدا يوم الاثنين بعيداً عن الإعلام مصمّماً على أن يكون إقرار البند كاملاً مع جدول زمني، “كي يجنّب الدولة التصعيد الدولي المقبل”. أبلغ عون عين التينة بذلك طالباً لقاء الرئيس برّي. رفض برّي ذلك معتبراً أنّ عون انقلب على الاتفاق.ولكن رغم كل شيء، كل القوى تحضّرت لجلسة الثلاثاء التي كانت المعلومات تشير إلى أنّها ستُرجئ إقرار البند إلى يوم الخميس. ولكن وقائع الجلسة حصلت بشكل مغاير، إذ كان سلام رأس حربة في التصميم على إقرار البند من دون تأجيل. إصرار سلام جاء بدعم من وزراء القوات والاشتراكي والكتائب. وعند محاولة رئيس الجمهورية ووزراء الثنائي الطلب بتأجيل إقرار البند إلى يوم الخميس، أصرّ سلام قائلاً: “إننا أضعنا الكثير من الفرص ولن نؤجل يومين إضافيين”. فأُقرّ البند، وانسحب وزيرا الثنائي.

“الحزب”مستاء من عون .. وسلام انقلابي

في بيان كتلة الوفاء للمقاومة، اتّهم الحزب رئيس الحكومة بأنّه انقلب على البيان الوزاري، وبأنّه انصاع للضغوط الخارجية الأميركية والسعودية، بينما حرصت مصادر مقرّبة من “الحزب” على القول لـ”اساس” إنّ “الحزب” عاتب ومستاء من رئيس الجمهورية بناءً على عدم التزامه بما اتفقا عليه قبل الجلسة، ودعت المصادر الرئيس إلى العودة إلى خطابه الأول بالكلام عن استراتيجية وطنية. وسألت المصادر المقرّبة من “الحزب” الرئيس عبر “أساس”: “عندما كنت قائداً للجيش وطلب منك النزول إلى الشارع في 17 تشرين، رفضت تحت عنوان أنّ الجيش لا يواجه الشعب. اليوم وضعت الحكومة كرة النار لدى الجيش، فإذا قرّرت بيئة المقاومة، وهي جزء من الشعب، النزول للاعتصام ورفض نزع السّلاح، هل ستضع الجيش في مواجهة الشعب؟” لذلك تعود وتؤكّد مصادر “الحزب” أنّ تعاليم قيادة الشورى عمّمت على الجميع بعدم استخدام الشارع لأنّه خطر ومعرّض لأحداث وانزلاقات لن يتمكن أحد من السيطرة عليها.

وبينما وصف “الحزب” قرار مجلس الوزراء بالخطيئة الكبرى، سانده رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أراد مخرجاً مختلفاً لإقرار بند السّلاح. وبناءً على هذا الوصف، تقول مصادر “الحزب” إنه سيتعامل مع القرار على أنّه لم يحصل، وسيلتزم بموقفه الداعي إلى حوار على استراتيجية وطنية، رافضاً تسليم سلاحه وسط الاحتلال الإسرائيلي واستمرار الغارات، ومن دون ضمانات دولية بحماية لبنان، ليس فقط من حدوده الجنوبية بل أيضاً من حدوده الشمالية الشرقية.

الحكومة والجيش وكرة النار: لا للاقتتال الداخلي

في معلومات “أساس”، إنّ الخطة التي يُفترض أن يضعها الجيش ويقدمها في 31 آب إلى مجلس الوزراء، يُفترض أن يبدأ تنفيذها في الأول من أيلول وينتهي في 31 كانون الأول 2025. وفي تفاصيل الورقة الأميركية أنّ ما هو مطلوب في المرحلة الأولى نزع السّلاح حتى الليطاني، ثم نزع السّلاح حتى نهر الأولي، ثم بيروت الكبرى، والبقاع. هذه المراحل التي يُفترض أن ينهي الجيش العمل فيها خلال ثلاثة أشهر.

في المقابل، تقول مصادر عسكرية إنّ قيادة الجيش تشعر بمسؤولية بالغة إزاء هذا الوضع، خصوصاً وأنّها حريصة على السلم الأهلي. وبالتالي فإنّ رمي كرة النار لدى الجيش لن تكون كافية لكي يستطيع الجيش القيام بعمله. فالغطاء السياسي من حكومة خرج منها الوزراء الشيعة في الجلسة الأخيرة ليس كاملاً.

مصادر حكومية قالت لـ”اساس”، إنّ ما أقره مجلس الوزراء هو ما يطالب به “الحزب”. ومن بين الأهداف التي أقرتها الحكومة، انسحاب إسرائيل، ووقف العدوان، واستعادة الأسرى، وتثبيت الحدود، وكل المطالب السيادية اللبنانية التي أكّد الرئيس عون والرئيس سلام التمسّك بها. وأضافت المصادر الحكومية أنّ خروج الوزراء الشيعة الثلاثة ليس استقالة بل هو بمثابة تصويت ضدّ القرار ولا يجب أن يُعطى ذلك أكثر من حجمه. والدليل أنّ بعضهم أعلن ليل أمس أنّه سيشارك في الجلسة الوزارية يوم الثلاثاء المقبل.

حصدت الحكومة رصيداً في الحساب الخارجي أخرج لبنان من دائرة الخطر الإسرائيلي القريب، ولكنه أدخلها في تصعيد سياسي داخلي قد يجعل رصيد قرار جلستي الحكومة مؤجّل الدفع..

جوزفين ديب