بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
لم تُسهِم كل الاتصالات والوساطات والمناشدات في تفادي مشهد انسحاب وزراء “الثنائي” الشيعي للمرة الثالثة من جلسة مجلس الوزراء، اعتراضاً على النقاش في خطة الجيش، كونها نتاج جلستيّ الحكومة في 5 و7 آب. لكن هذه المرة الانسحاب ترافق مع “قطبة” الشيعي الخامس، الوزير فادي مكي، الذي لوّح باستقالته أمام رئيسيّ الجمهورية والحكومة قبل مغادرته الجلسة، “إذا أصبحت الأمور ضاغطة عليّ، ولم أستطع أن أجاري قرارات الحكومة في شأن حصرية السلاح”.
في سياق تنفيس الاحتقان السياسي الذي بلغ مداه عشية جلسة 5 أيلول، أعلنت الحكومة “ترحيبها” بخطة الجيش المنزوعة المهل الزمنية، ولم تقرّها، وأعادت التذكير في اجتماعها أمس الالتزام بإعداد استراتيجية أمن وطني من أجل حصر السلاح بيد الدولة.
وسط إجراءات أمنية مكثّفة شهدتها العاصمة بيروت وضواحيها، وتحت وطأة تقرير نشرته “نيويورك تايمز” أشبه بتهديد للحكومة اللبنانية، بخسارة الدعم المالي وتجدّد الحرب الإسرائيلية، إذا لم يتمّ نزع سلاح “الحزب”، انعقدت جلسة مجلس الوزراء، من دون أن تكون “التسوية” بين الرئيس نبيه بري و”الحزب” من جهة، والرئيسين جوزف عون ونواف سلام من جهة أخرى، قد سلكت طريقها إلى قصر بعبدا.
حتى ليل الخميس ونهار الجمعة، كانت الاتصالات لا تزال مستمرّة لسحب فتيل انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة. وجرى التداول، وفق المعلومات، باقتراح عرضته بعبدا على رئيس الحكومة، ونوقش في الخلوة التي جمعت رئيسيّ الجمهورية والحكومة، قبل انعقاد الجلسة، حيث كان هناك خشية فعلية من جانب رئيس الجمهورية من تكرار سيناريو 5 و7 آب، مقابل اعتبار الرئيس سلام أنّ إقرار الخطّة بغياب الوزراء الشيعة لا ينزع عنها الميثاقية، كونها نتاج بيان وزاري وافق عليه “الحزب” ومنحه ثقته، ثم جدّدها في جلسة المساءلة الشهر الماضي.
هنا تجزم مصادر مطلعة وموثوقة بأنّ “التمايز واضح جداً بين الرئيسين عون وسلام، وظهرت إحدى أهم ترجماته في قرارات 5 و7 آب. فالرئيس عون بدأ فعلاً يشعر بثقل فرملة انطلاقة عهده، واحتمال حصول انفجار داخلي لا أحد قادر على توقع نتائجه. وكما سعى لعدم انسحاب الوزراء الشيعة سابقاً، وقوبل بتوجّه صارم من الرئيس سلام بإصدار الحكومة قراراتها حول السلاح والورقة الأميركية مهما كانت النتائج، تكرّرت محاولته، بالتنسيق المباشر مع الرئيس نبيه بري، قبل جلسة 5 أيلول، في الوقت الذي كان يصرّ فيه رئيس الحكومة على إصدار قرار، أو التصويت على خطة الجيش التنفيذية”.
تصلّب “الحزب”
تفيد المعلومات بأنّ “الحزب” طوال الأيام الماضية لم يكن متجاوباً مع مساعي رئيس الجمهورية، بالمقابل كانت العلاقة متوترة جداً بين سلام و”الحزب”، و”ناشفة” بينه وبين الرئيس بري.
بقي سقف “الحزب” ثابتاً عند رفض النقاش بخطّة، “هي نتاج قرارات غير المعترف بها، مع الإصرار والتأكيد على “التعاون الكامل مع الجيش، والأوامر الصارمة المعطاة لـ”جماعتنا” بعدم الاصطدام مع المؤسسة العسكرية، وتجربة جنوب الليطاني هي الدليل على ذلك”.
في الوقت نفسه، كان نقاش صامت يجري بين الثنائي الشيعي والوزير فادي مكي بغية إقناعه بالانسحاب، إذا حصل إصرار على عرض خطة الجيش.
“أزمة” مكي بدأت منذ جلسة 5 آب التي اتّخذ فيها قرار الطلب من الجيش إعداد الخطة التطبيقية لحصرية السلاح، حيث لم يغادر القاعة، كما فعل الوزراء ركان ناصر الدين، ومحمد حيدر، وتمارا الزين (ياسين جابر كان خارج البلاد). أمّا في جلسة 7 آب، فغادر مع الوزراء الشيعة الأربعة قائلاً: “انسحبت لوجود شئ أكبر من القدرة على التعامل معه”.
ما هو فعلاً، أكبر من “قدرة” فادي مكي على “التعامل معه”، هو التوفيق، كوزير شيعي، بين قرار من اختاره وزيراً، أي رئيس الجمهورية بالتنسيق مع بري بوصفه شخصية شيعية مستقلة، وقرار الثنائي الشيعي الذي يتعامل مع فريقه الوزاري كبلوك “حديدي” يَفترض الالتزام بما تقرّره قيادة “الثنائي” الشيعي.
بالتأكيد، أدّى تلويح الوزير مكي بالاستقالة إلى إضافة مزيد من الإرباك إلى المشهد الشيعي، فيما تشير معطيات “أساس” بأنّ الأخير كان يتحدّث عن استقالته منذ فترة في الأروقة الضيّقة، بسبب عدم قدرته كوزير على المواءمة بين طرحين متعارضين داخل الحكومة، ورفضه التام تصويره مغرّداً خارج القرار الشيعي في لحظة مصيرية ودقيقة وخطيرة لا تحتمل دعسات ناقصة، كما يقول.
لبّ الأزمة
لبّ أزمة جلسة 5 أيلول انحصر برفض بري و”الحزب” مناقشة خطة الجيش التطبيقية، وأخذ قرار في شأنها، فيما دعوة الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، التي وجّهت إلى الوزراء أتت في سياق “عرض ومناقشة الخطة التطبيقية لحصر السلاح التي كلّف الجيش بوضعها، وفقاً لما جاء في البند الثاني من قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 5-8-2025”.
تقول أوساط الفريق الشيعي لـ”أساس”: “شكّلت هذه الدعوة فخّاً لنا للاعتراف بنتائج جلسة 5 آب (واستطراداً 7 آب)، فيما لا رجوع عن موقفنا، باعتبار هذه القرارات خطيئة كبرى، يُفترض التراجع عنها. من جهتنا، يمكن النقاش بأي خطة مرتبطة بالجيش، لكن ليس استناداً إلى قرارات حكومية لا نعترف بها”.
أربعة بنود شكلية
فعلياً، أزيل العائق الأول أمام جلسة أمس، بعدما أضيفت أربعة بنود، كملحق لبند خطّة الجيش، حملت صفة “العَجَلة”، فيما لا عجلة فيها، ولا ثقل حكومياً، وهذا ما اكتشفه الثنائي سريعاً، لكن الأمر لم يصل إلى حدّ الاعتراض على “التمريرة الحكومية”، بالرغم من أنّ الرئيس نبيه بري كان يُفضّل إضافة أكثر من أربعة بنود على جدول الأعمال.
مثال على ذلك، بند دفع المنحة المالية للعسكريين كان “لأخذ العلم فقط”، فيما مرسومها صدر فعلاً، ووقّع من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، ووزراء الداخلية والدفاع والمال. أمّا موضوع التوقف عن استكمال تصدير المواد الكيميائية في منشآت النفط في طرابلس، فلا يحتاج إلى أقل من دقيقة لأخذ القرار به. وطلب وزارة الطاقة الموافقة على عقد الاتفاق الرضائي بين لبنان والكويت، قد تمّ سابقاً، فيما انحصر الأمر بالموافقة على البند التحكيمي فيه. أمّا البند الرابع، حول طلب وزارة المال الموافقة على مشروع مرسوم إبرام اتفاقية قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار، فاحتاج إلى إبرام بدقيقة واحدة!
هكذا، أقرّت البنود الأربعة بسلاسة أمس قبل أن يدخل قائد الجيش العماد رودولف هيكل قاعة مجلس الوزراء في قصر بعبدا، لينسحب الوزراء الشيعة، وآخرهم الوزير فادي مكي الذي كتب على موقع “أكس”: “كنت من الداعين إلى مناقشة خطة الجيش وترك موضوع المهلة الزمنية لتقدير قيادته، غير أنني أمام الوضع الراهن وانسحاب مكوّن أساسي، لا أستطيع أن أتحمّل مرة أخرى وزر قرار كهذا. وفي الجلسة قلت إذا كانت استقالتي من الحكومة تحقّق المصلحة الوطنية، فإنا على استعداد أن أضعها بتصرّف رئيسيّ الجمهورية والحكومة”، داعياً إلى “مناقشة الخطة تحت سقف البيان الوزاري الذي توافقنا عليه جميعاً”.
بقيّ قرار الثنائي في شأن الخطّة التي عرضها قائد الجيش مُعلّقاً على قرار الحكومة حيال هذه الخطة. الأخيرة “رحّبت” بخطّة الجيش، لضمان بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية، وأخذ علماً بها، وفقاً لما هو منصوص عليه في اتفاق الطائف، والقرار 1701، وخطاب رئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة.
كما أكّد وزير الإعلام بول مرقص أنّ الجيش “سيباشر تنفيذ الخطة وفق الإمكانات المحدودة”، مشيراً إلى عرض قائد الجيش “لمعوّقات التنفيذ، منها الاعتداءات الإسرائيلية”.
كان لافتاً ردّ الحكومة على التنصّل الإسرائيلي، من تنفيذ تل أبيب التزاماتها، المنصوص عنها في الورقة الاميركية، بالتأكيد أن أي تقدّم في سياق تنفيذ ما ورد في الورقة (الاميركية) يبقى مرهوناً بالتزام الأطراف الأخرى، خصوصاً إسرائيل”، لكن من دون أن تذهب الحكومة إلى حدّ إعلان عدم التزامها بموجبات هذه الورقة.
إضافة إلى “ترحيب” الحكومة بخطة الجيش، في سياق تهدئة الجبهات مع “الثنائي” الشيعي، أعلنت التزامها، وفقاً لخطاب القسم والبيان الوزاري، إعداد استراتيجية أمن وطني لبسط سلطة الدولة وحصر السلاح بيد الدولة”.
ملاك عقيل