عادت واشنطن الى لغة التحذير من الاسوأ. فجأة، ومن دون مناسبة، اقتحم المبعوث الاميركي توم برّاك المشهد اللبناني، بحزمة تغريدات عالية السقف ضد حزب الله اولاً لنزع سلاحه سريعاً لأن خلاف ذلك فالمواجهة الكبرى واقعة مع اسرائيل القوية وايران الضعيفة وعزله سياسياً في الانتخابات وللسلطة السياسية في لبنان ثانياً، للإختيار، فإما “انتهاز فرصة التجديد الوطني أو البقاء غارقًا في الشلل والتدهور”.
مواقف برّاك حضرت بقوة، الى جانب ملف التفاوض مع اسرائيل في لقاء عقد في بعبدا بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما استقبل عون يوم الجمعة الماضي رئيس الحكومة نواف سلام وتباحثا في التفاوض. ولدى خروجه من بعبدا قال الرئيس بري عن اجواء اللقاء: “اللقاءات دائماً ممتازة مع فخامة الرئيس”.
براك يصعّد
وكان براك قال في تغريدات على اكس انه “مع استعادة سوريا استقرارها مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، تُشكل هذه العملية الركيزة الأولى في الإطار الأمني الشمالي لإسرائيل، أما الركيزة الثانية، فيجب أن تكون نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء مناقشات أمنية وحدودية مع إسرائيل”. وفي منشور مسهب، رأى ان “خطوات سوريا الشجاعة نحو اتفاق حدودي، ونأمل أن يكون تطبيعًا مستقبليًا، تمثّل الخطوات الأولى نحو تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل. ويجب أن يكون نزع سلاح حزب الله الخطوة الثانية. يواجه لبنان الآن خيارًا حاسمًا: إما انتهاز فرصة التجديد الوطني أو البقاء غارقًا في الشلل والتدهور”. اضاف: يجب على الولايات المتحدة دعم بيروت للانفصال سريعًا عن ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، وتحقيق التوافق مع إيقاع مكافحة الإرهاب في منطقتها قبل أن تستنزفها موجة جديدة من عدم التسامح مطلقًا مع المنظمات الإرهابية. ونبه برّاك من ان “إذا لم تتحرك بيروت، فسيواجه الجناح العسكري لحزب الله حتمًا مواجهة كبرى مع إسرائيل في لحظة قوة إسرائيل ودعم إيران لحزب الله في أضعف نقاطه. وفي المقابل، سيواجه جناحه السياسي، بلا شك، عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات مايو/أيار 2026”… “الان وقت لبنان للعمل”.
بري يكشف
من جهته كشف الرئيس بري أن مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل قد سقط بسبب رفض تل أبيب التجاوب مع مقترح أميركي بهذا الشأن، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن المسار الوحيد حالياً هو مسار «الميكانيزم» الذي يضم ممثلين للدول المعنية والراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية الذي أوقف حرب لبنان الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال الرئيس بري إن براك، أبلغ لبنان بأن إسرائيل رفضت مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي يستهل بوقف العمليات الإسرائيلية لمدة شهرين، وينتهي بانسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنية، وتالياً، يقول بري إنه «تم التراجع عن أي مسار للتفاوض مع إسرائيل، ولم يبقَ سوى الآلية المتبعة عبر لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار (الميكانيزم)».
وقال بري إن «براك أبلغ لبنان بشكل رسمي أن المبادرة رفضتها إسرائيل، وبالتالي، لم يعد هناك من مسار دبلوماسي قائم، إلا العمل ضمن آلية لجنة (الميكانيزم)». وأشار إلى أنه «حصل تطور مهم في آلية عملها، بعدما باتت تجتمع كل أسبوعين، خلافاً للمسار الذي اتبعته في السابق»، حيث كانت تعقد اجتماعات متقطعة ومتباعدة.
وشدد بري: «إننا متمسكون باتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وهي الاتفاقية التي يفترض أن تشرف على تنفيذها لجنة الميكانيزم»، مشيراً إلى أنها «الآلية المعتمدة حالياً، ولا شيء سواها».
وأمام هذه التطورات، رفض بري القول إنه متشائم أو متفائل، قائلاً: «أنا متشائل»، في إشارة إلى مساحة مختلطة بين التشاؤم والتفاؤل.
غارات عنيفة
في الاعقاب وبعيد مواقف برّاك، نفذ الطيران الحربي الاسرائيلي امس سلسلة غارات جوية وصلت الى ثماني غارات استهدفت مناطق مفتوحة واودية في مناطق المحمودية، الجرمق، مجرى نهر الخردلي وهي تقع عند اطراف بلدتي الجرمق ومزرعة الدمشقية الى الشرق من سهل الميدنة -كفررمان. وألقت الطائرات المغيرة عددا من الصواريخ التي احدث انفجارها دويا هائلا تردد صداه في مناطق النبطية ومرجعيون والريحان واقليم التفاح، وتعالت سحب الدخان الكثيف التي غطت اجواء المنطقة المستهدفة، وتسبب باشعال حرائق عديدة في الاحراج.
لا تقرر
على صعيد آخر، وعلى ضفة الانتخابات النيابية، كتب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على حسابه عبر منصة “إكس”، التالي: دولة الرئيس نبيه بري، لا تستطيع اختزال المجلس النيابي بشخصك. إن قولك “إننا قد جربنا تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية السابقة لمرة واحدة وأخيرة، ولا إمكانية على الإطلاق لتكرار هذا الأمر لمرة ثانية مهما علا الصراخ والضجيج”، هو قول يضرب المجلس النيابي، والنظام البرلماني، والنظام اللبناني، والديموقراطية، برمتها. دولة الرئيس، ربما في السنوات الأربعين الماضية لم يقل لك أحد ذلك، وأنا أقوله لك اليوم: إن من يقرر في المجلس النيابي هو الأكثرية النيابية، لا أنت، ولا أي شخص آخر بحد ذاته، مع كامل احترامنا لك ولكل شخص آخر. إما دستور وقانون ونظام، وإما شريعة الغاب. ولن نقبل بعد الآن بشريعة الغاب. مع تحياتي، دولة الرئيس.
عين التينة ترد
على الاثر، نقلت مصادر عن بري قوله رداً على كلام جعجع: من أين لك هذا الكلام الذي نسبته إلي؟ ألم يعد في جعبتك غير إستصدار كلام عن لساني والجواب إليك!!
إذا فشل لبنان فأمام حزب الله مواجهة كبرى
برّاك: القادة في شرم الشيخ اجتمعوا حول رؤية ترامب للمنطقة
اشار المبعوث الاميركي توم براك الى أن “مع استعادة سوريا لاستقرارها عبر تطبيع العلاقات مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، أصبحت تشكل الركيزة الأولى في الإطار الأمني الشمالي لإسرائيل. أما الركيزة الثانية، فيجب أن تكون نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء المحادثات الأمنية والحدودية مع إسرائيل”.
ولفت الى ان “اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، الذي رعته إدارة الرئيس الاميركي السابق جو بايدن وجرى التوصل إليه بوساطة أميركية وأممية، سعى إلى وقف التصعيد لكنه فشل في النهاية. لم يتم التوصل إلى اتفاق مباشر بين إسرائيل وحزب الله، لأن لبنان ما زال يعتبر التعامل مع إسرائيل جريمة، وبالتالي لا وجود لآلية حقيقية للتنفيذ. في الوقت نفسه، تواصل إيران تمويل حزب الله رغم العقوبات، فيما يرسل مجلس الوزراء اللبناني المنقسم رسائل متناقضة إلى الجيش اللبناني الذي يفتقر إلى التمويل والصلاحيات للتحرك. والنتيجة: هدوء هش بلا سلام، وجيش بلا سلطة، وحكومة بلا سيطرة”.
واضاف “لا تزال إسرائيل تحتل خمس نقاط تكتيكية على طول “الخط الأزرق”، محتفظة بقدرتها على الإنذار المبكر، فيما تنفذ ضربات يومية ضد مخازن حزب الله. في المقابل، يبقى مبدأ الحكومة اللبنانية “دولة واحدة وجيش واحد” أقرب إلى الطموح منه إلى الواقع، بفعل هيمنة حزب الله السياسية والخشية من اندلاع اضطرابات داخلية”.
واعتبر ان “إذا فشلت بيروت في التحرك، فإن الجناح العسكري لحزب الله سيواجه حتماً مواجهة كبرى مع إسرائيل في وقت قوة إسرائيل ونقطة ضعف حزب الله المدعوم من إيران. وبالمثل، فإن جناحه السياسي سيواجه بلا شك احتمال العزلة مع اقتراب الانتخابات في أيار 2026”.
وذكر ان “إذا تعرض حزب الله لهجوم عسكري جدي من إسرائيل وواجه خسائر إقليمية أو سياسية أو في سمعته، فمن المرجح جداً أن يسعى لتأجيل انتخابات أيار 2026 للحفاظ على قاعدة سلطته وإعادة ترتيب صفوفه. الانتخابات في مثل هذه اللحظة ستكشف وضعه الضعيف، وتعرض حلفاءه لخسائر انتخابية، وتشجع الفصائل المنافسة على تحدي هيمنته ضمن النظام الطائفي الهش في لبنان. ومن خلال الاستناد إلى “الأمن القومي” و”عدم الاستقرار في زمن الحرب”، قد يبرر حزب الله التأجيل كوسيلة للحفاظ على الوحدة وحماية المجتمع الشيعي من الاستغلال الخارجي المتصور. في الواقع، فإن التأجيل يمنحه وقتاً – لإعادة البناء عسكرياً، وإعادة التنظيم سياسياً، وإعادة التفاوض حول توازن القوى بعد الحرب قبل مواجهة الناخبين”.
في سياق اخر، رأى براك أن “13 تشرين الاول 2025 سيُذكر كلحظة فارقة في ديبلوماسية الشرق الأوسط الحديثة. ففي شرم الشيخ، لم يكتفِ القادة العالميون بالاحتفال بإطلاق سراح الاسرى، ووقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات السلام فحسب، بل اجتمعوا أيضاً لتأييد رؤية الرئيس الاميركي دونالد ترامب الجريئة المكونة من عشرين نقطة من أجل التجديد، وإعادة الإعمار، والازدهار المشترك في المنطقة”.
واعتبر أن “لأول مرة منذ قرن، نشأ توافق حقيقي فهم بأن الشرق الأوسط، الذي طالما شُقّ على أساس القبيلة والدين، والممزق بإرث الاستعمار، يمكنه الآن نسج نسيج جديد من التعاون. ما بدأ كوقف إطلاق نار في غزة تطور إلى ما هو أعظم: أول قطع فسيفساء في فسيفساء متجددة من الشراكة. تحت قيادة الرئيس ترامب، لم يعد الاستقرار يُفرض عبر الخوف، بل يُتصور من خلال الفرصة المشتركة؛ السلام لم يعد توقفاً للعنف، بل منصة لازدهار”.
ولفت الى ان “القطعتين التاليتين الحاسمتين من هذا البناء السلمي لا تزالان ناقصتين. أولاً سوريا، المنقسمة والمتعبة بعد سنوات الحرب، والتي تمثل رمزاً واختباراً لما إذا كان هذا النظام الإقليمي الجديد قادرًا على الصمود حقاً. لا يمكن أن تكتمل فسيفساء السلام بينما يظل أحد أقدم الحضارات في العالم في خراب. يجب أن تعبر رياح المصالحة التي بدأت في غزة الآن الحدود الشمالية لإسرائيل لتمنح سوريا فرصة للنهوض”.
وذكر أن “في 13 أيار 2025 في الرياض، أعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، تحوّل تاريخي من الإكراه إلى التعاون. وأصبح هذا الوعد سياسة رسمية في 30 حزيران، عندما ألغى أمر تنفيذي معظم العقوبات السورية، بدءاً من 1 تموز. هذه الإجراءات المزدوجة حوّلت السياسة الأميركية من العقاب إلى الشراكة، وأرسلت إشارة للمستثمرين والحلفاء بأن أميركا أصبحت تدعم إعادة الإعمار لا الكبح”.
في سياق اخر، اكد ان “قمة سلام غزة لم تكن مسرحية رمزية، بل كانت افتتاحية لسيمفونية جديدة من التعاون المبني على تكامل الطاقة، والترابط الاقتصادي، والطموحات الإنسانية المشتركة. إطلاق سراح الرهائن، ووقف الأعمال العدائية، والالتزامات التي وُقعت في شرم الشيخ وضعت الأساس الذي يجب مراقبته، وتعديله، وإدارته في غزة لأن هذا بلا شك مسار وليس حدثاً. ولكن الآن يجب تمديد هذا الإيقاع للحوار شمالاً إلى سوريا، وفي النهاية إلى لبنان. اتفاقات إبراهيم للمنطقة بأسرها هي النجم القطبي الحقيقي”.