بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
في تقرير لها من بغداد، تصف مجلة “ايكونوميست” البريطانية العراق بالبلد المستقر بشكل ملحوظ والذي يشهد حماساً تنموياً يجذب المستثمرين الأجانب. وتصف عاصمته بغداد بمدينة الازدهار المفاجئ التي تشهد طفرة عمرانية ضخمة.
إمكانات العراق هائلة. يبلغ عدد سكانه حوالي 46 مليون نسمة وفقاً لتعداد عام 2024، وهم من الشباب، ويزدادون بما يقرب من مليون نسمة كل عام، أي بازدياد نحو 20 مليون نسمة منذ الغزو الأميركي له عام 2003.
تنقل المجلة عن رئيس الوزراء محمد السوداني قوله إنّ الحكومة وضعت خططاً كبيرة لتحسين الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من الحرب وعدم الاستقرار. وإنّ حكومته ومنذ توليه منصبه في تشرين الأول 2022، بنت 20 جسراً جديداً في بغداد، أحدها، كما قال أحد مساعديه، في غضون 80 يوماً فقط. بينما تم افتتاح أربعة مستشفيات جديدة على الأقل، بما في ذلك أول مركز متخصص لعلاج السرطان في العراق ومستشفى للعناية المركزة بتصميم كوري. كما تّم بناء أو إعادة بناء أكثر من 1700 مدرسة. ومن المقرر افتتاح ستة فنادق فاخرة. كما استأنفت شركة “بي بي” عملياتها، وتجري محادثات مع شركتي النفط العالميتين العملاقتين “إكسون موبيل” و”شيفرون”.
عوامل التطور
بحسب “الايكونوميست” تُفسر عوامل عديدة هذا الحماس التنموي، منها:
– تحسّن الوضع الأمني. وفقاً لمعايير ما بعد عام 2003، لم يكن العراق يوماً هادئاً كما هو الآن.
– الإصلاحات في القطاع المصرفي التي سهلت الحصول على الائتمان.
– إنفاق عائدات النفط التي كانت تتدفق سابقاً إلى بيروت أو جنيف بشكل متزايد داخل العراق.
– حرص السوداني على دفع عجلة المشاريع العامة والخاصة للتغلب على البيروقراطية العراقية المتباطئة. إذ غالباً ما يتصرف كرئيس عمال وليس كسياسي، حيث يُجري اتصالات مع المديرين ويقوم بزيارات مفاجئة لمواقع البناء. ويشرف على لجان استثمارية قوية قادرة على الموافقة على المشاريع بسرعة. بحسب قول نمير العقابي، رئيس إدارة شركة “أمواج”، إحدى أكبر شركات العقارات في العراق، التي تبني مجمعات سكنية في بغداد للمجلة: “ما كان يتم في سنة أو سنتين، يمكن الآن إنجازه في جلسة واحدة”.
– اصرار السوداني على رقمنة العديد من الخدمات الحكومية. يُصدر مكتب الجوازات في بغداد وثائق سفر جديدة في غضون 45 دقيقة؛ ويدعي المسؤولون أنهم الأسرع في العالم.
– حتى عام 2023، لم يتجاوز دخل الجمارك السنوي 900 مليار دينار عراقي (690 مليون دولار). ومن المتوقع أن يتجاوز هذا العام 3 تريليونات دينار. يقول مسؤول أممي إن أيام التهرّب من الرسوم عن طريق استيراد حاويات من هواتف آيفون على أنّها موز، قد ولّت بفضل الرقمنة.
– لم تعد رواتب الموظفين الحكوميين تُدفع نقداً. ولا يُمكن دفع ثمن الخدمات الحكومية، مثل جوازات السفر الجديدة السريعة، إلا ببطاقة مصرفية. قبل خمس سنوات، لم يكن أحد تقريباً في العراق يمتلك بطاقة مصرفية؛ أما اليوم، فهي ضرورية.
القطط السمينة لا يمكنها القتال
غير أنّ هناك تغييرات أخرى كانت أكثر تعقيداً، بحسب المجلة. فقد تجنّب السوداني المواجهة المباشرة مع الميليشيات المدعومة من إيران التي سمحت للجمهورية الإسلامية بالسيطرة على جزء كبير من السياسة والاقتصاد في العراق. وقال، كما تنقل المجلة عن أحد حلفائه: “أريدهم أن يستثمروا. أريدهم أن ينشغلوا بالرخاء. أريد أن أصرفهم عن العنف”.
أسس العديد منهم بالفعل شركات ويتنافسون على عقود حكومية. وساهم في ذلك نأي وكلاء إيران في العراق بأنفسهم عن حربها التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل. وتنقل المجلة عن أحد المراقبين العراقيين قولهم: “لقد أصبحت القطط سمينة جداً بحيث لا يمكنها القتال”.
لكن آخرين يرون، بحسب الايكونوميست، أنّ نهج السوداني يمنح الميليشيات فقط غطاءً لتثري نفسها وتشدد قبضتها على الدولة. وتنقل عن منتقدين لرئيس الوزراء قولهم إنه “يكتفي بضمّهم إلى الدولة من دون محاسبتهم. ففي تموز، داهم مقاتلون من كتائب “حزب الله”، مكتباً في وزارة الزراعة لحماية مدير متهم بالفساد يواجه الفصل. وعد السوداني بتقديم المسؤولين إلى العدالة. لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن”.
يضيفون: بدلاً من ذلك، أظهر الحادث مدى حرية الميليشيات في التصرف عندما تتعرض مصالحها للتهديد. كما أنّ قلة هم من يعتقدون أنّ السوداني يمكنه مواجهتها مباشرة. ويرون في فشل القوات العراقية في إنقاذ إليزابيث تسوركوف، الباحثة الروسية- الإسرائيلية التي اختطفت في بغداد من قبل كتائب “حزب الله” في 2023، دليلاً على حدود سلطة السوداني”.
سجل مليء بالثغرات
يرون أنّ “سجل السوداني مليءٌ بالثغرات، فهو لم يفعل الكثير لتقليص الجهاز الإداري الضخم في العراق: أكثر من 10 ملايين عراقي يتقاضون رواتب حكومية – وهي من بين أعلى نسب القطاعين العام والخاص في العالم. وقد فشلت جهوده لإصلاح قطاع الطاقة في العراق، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى مقاومة الجماعات المرتبطة بالميليشيات”.
في رأي هؤلاء، الفساد لا يزال قائماً في العراق. وتستعد البلاد لإجراء الانتخابات في تشرين الثاني. ويريد السوداني ولاية ثانية لإكمال ما بدأه. ولكن حتى لو رحّب العراقيون بإصلاحاته، فقد لا يضمنون فوزه. يرى العديد في إطار التنسيق الشيعي، وهو مجموعة مظلة للفصائل المدعومة من إيران، أنّ السوداني يشكل تهديداً لمصالحهم. إذا اتحّدوا ضده، قد يكون تقدّمه عابراً.
- المنظمة العربية للسياحة اختارت العاصمة العراقية بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، بعد اجتيازها المعايير المعتمدة من المنظمة، وذلك خلال الدورة السابعة والعشرين للمجلس الوزاري العربي للسياحة التي عقدت في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة يوم الأربعاء 11 كانون الأول 2024. وأكدت المنظمة في بيانها، أنّ اختيار بغداد جاء استناداً إلى معايير شملت إدارة القطاع السياحي، وتطوير البنية التحتية، والموارد السياحية المتنوعة، إضافة إلى الالتزام بالحفاظ على البيئة والاستجابة للتطورات السياحية، وتحقيق السلامة الصحية والأمن والاستقرار السياحي.
إيمان شمص