تحوّل في المزاج الكويتي: ضمور “الإخوان”

نايف سالم – الكويت

«أساس ميديا»

في مطلع حزيران 2010، استُقبل 16 كويتيّاً استقبال الأبطال لدى عودتهم من الاحتجاز لدى قوّات الاحتلال بعد مشاركتهم في “أسطول الحرّية” لكسر الحصار على قطاع غزّة.

بعد حوالي 15 عاماً، وتحديداً الأربعاء في 8 تشرين الأوّل 2025، عاد ثلاثة كويتيّين بعد مشاركتهم في “أسطول الصمود” للغاية نفسها، لكن لم يستقبلهم أحد، وانقسم الشارع الكويتي في تقويم خطوتهم.

بين التاريخَيْن ظروفٌ سياسيّة تبدّلت وأحوالٌ إقليميّة تغيّرت، لكنّ المفارقة الأهمّ داخليّاً هو التحوّل الكبير في المزاج الكويتيّ، ربطاً بـ”ضمور” نفوذ جماعة “الإخوان المسلمين” ومَن يدور في محيطها.

انقسم المجتمع الكويتيّ حيال مشاركة الكويتيّين الثلاثة في “أسطول الصمود” الذي اعتقلت إسرائيل جميع الناشطين المشاركين فيه ورحّلتهم على دفعات إلى بلادهم، بين مجموعات عبّرت عن الموقف التقليدي ورأت في الخطوة مساهمة “بما أمكن” للتعبير الإنساني عن التضامن مع أهل غزّة، وبين مجموعات رأت في الأمر “استعراضاً لا طائل منه” لم يحقّق أيّ مكاسب، وكانت سلبيّاته أكبر من إيجابيّته لأنّهم أحرجوا الدولة وخرقوا القانون (هناك مرسوم أميريّ صادر في عام 1967 وما يزال سارياً، يفيد بأنّ الكويت في حالة حرب مع العصابات الصهيونيّة في فلسطين المحتلّة، وبالتالي لا يمكن الوصول لحدودها أو التعاطي معها).

إشادات كثيرة نالها الثلاثة تنويهاً بالخطوة التي تُعبّر عن موقف إنسانيّ أصيل في وجه الظلم، خاصّة أن بينهم طبيباً هو محمد جمال، سبق له أن رأى الأهوال حين زار غزّة قبل عام ضمن وفد طبيّ قام بإجراء عمليّات جراحيّة في أوقات قياسيّة، ومساندة المنظومة الصحّية الفلسطينية التي عانت من انهيارات كبيرة على مدى عامَيْ الحرب.

لكن للمرّة الأولى بهذا الوضوح واجهت مثل هذه الخطوة موجة انتقادات واسعة غذّتها أيضاً بعض التصرّفات من قبل الثلاثة الذين استنجدوا بالحكومة عندما أيقنوا أنّ اعتقالهم بات وشيكاً، فيما رفعوا الأعلام التركيّة والفلسطينيّة دون الكويتيّة بعدما أُفرج عنهم. ثمّ قاموا لاحقاً بتوجيه الشكر للكويت.

أبطال من ورق

للمفارقة، سارعت الحكومة الكويتيّة منذ اللحظة الأولى إلى العمل على ضمان إطلاقهم بالتنسيق مع 3 دول يصفها التيّار المؤيّد لـ”الإخوان” بـ”المُطبِّعة”، وهي تركيا والأردن والبحرين، وبالفعل وصل اثنان من الكويتيّين إلى تركيا والثالث إلى الأردن.

كتب أحد المؤيّدين: “والله إنّ الأفراد المشاركين في أسطول الصمود هم أشرف ما أنجبت هذه الأرض”، فيما اعتبر آخر أنّ القيام بعمل له بعد سياسيّ دون علم وموافقة الدولة وتقديم مصلحة الحزب أو التوجّه السياسي على مصالح البلد “يُعتبران غوغائيّة وفوضى وليسا حرّية”، خصوصاً أنّ الخطوة لم تقدّم شيئاً عمليّاً لتخفيف معاناة أهل غزّة.

في حين تنوّعت الأوصاف بين “أبطال” حقيقيّين و”أبطال من ورق”، انتقد البعض “انتشار ثقافة الفخر بالشعارات فوق إنجازات الدولة الواقعيّة”، وكتب أحدهم على سبيل النكتة: “بصراحة.. ردّ فعل غير موفّق من الصهاينة! كيف يعتقلون مَن على متن أسطول الصمود؟! كنّا نتوقّع منهم الولائم والاستقبال الحافل وفرش السجّاد الأحمر وحسن الضيافة.. لكنّهم بصراحة خذلونا بهذا الردّ المُخزي والمفاجئ”.

6 أسباب

عكَسَ ذلك بوضوح تغيّراً هائلاً في المزاج الكويتيّ نَتَجَ بالدرجة الأولى عن ضمور وتراجع نفوذ جماعة “الإخوان المسلمين” وقدرة مسؤوليهم ومؤيّديهم على التأثير في الوعي المجتمعيّ، لأسباب كثيرة أبرزها:

1 – عدم وجود نوّاب في مجلس الأمّة ليقوموا بتهييج الشارع كما كان يجري في السابق.

2 – منع الندوات السياسيّة التي يستخدمها أنصار هذا التيّار لنشر أفكاره.

3 – عدم قدرة أيّ من الناشطين السياسيّين على توجيه انتقادات تؤدّي إلى تأليب الناس واللعب على مشاعرهم.

4 – قطع الحكومة الطريق على تنظيم تظاهرات لا طائل منها وقد تؤدي إلى نتائج سلبيّة.

5 – تراجع نفوذ الجمعيّات المرتبطة بجماعة “الإخوان” ووضع نشاطها تحت الرقابة الصارمة.

6 – انكفاء التيّار الشيعيّ المتشدّد (خطّ الإمام المُتطابق مع “الحزب” في لبنان) ومُحاذرته الخوض في الشؤون السياسيّة والإقليميّة.

مسارات الدّولة

أظهرت كلّ هذه الأسباب بوضوح أنّ الحكومة أمسكت بزمام المبادرة، وتصرّفت بواقعيّة وبلغة الدولة، عبر ثلاثة مسارات:

  • المسار الأوّل تمثّل بالتحرّك السريع لوزارة الخارجيّة بالتنسيق مع الدول المعنيّة لضمان الإفراج عن المواطنين الكويتيّين، وقد وجّهت الكويت الشكر رسميّاً لتركيا والأردن والبحرين على مساعدتها في هذا الملفّ.
  • المسار الثاني يتعلّق باستمرار التعبير عن الموقف السياسيّ الحازم بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ للحصول على حقوقه المشروعة، من دون أيّ تغيير. وفي هذا السياق، تحدّثت الكويت باسم دول مجلس التعاون الخليجيّ أمام مجلس الأمن، في الجلسة التي خُصّصت للشرق الأوسط، على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في أيلول الماضي. ودعمت بشكل كامل مؤتمر حلّ الدولتين والمسار الذي أرساه على المستوى الدوليّ، من خلال الجهود المشتركة للمملكة العربية السعوديّة وفرنسا.
  • المسار الثالث هو المسار الإنسانيّ مع استمرار إرسال عشرات أطنان المساعدات عبر الجسر الجوّيّ المتواصل إلى الأردن ومصر، تمهيداً لإدخالها إلى غزّة.

في 2010 نزل رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمّة آنذاك إلى أرض المطار (على الرغم من الخلافات السياسية مع بعض المشاركين في ذلك الوقت مثل النائب السابق وليد الطبطبائي)، وكان استقبال العائدين رسميّاً وشعبيّاً، وغابت الانتقادات بشكل كامل. أمّا في 2025 فقد فرضت الواقعيّة مشهداً مختلفاً، فلا استقبال رسميّاً أو شعبيّاً، ولا مجال للمزايدات على الدولة في واجباتها أو التأثير على قراراتها السياسيّة والسياديّة، ولا سماح بتحرّكات على الأرض يقودها “الإخوان” وبعض المُنظّرين لهم، للتصويب على دول عربية وخليجية شقيقة، يصفونها بـ”المُطبِّعة”، وهي نفسها الدول التي حثّوا الحكومة على الاستنجاد بها للإفراج عن المواطنين الثلاثة.

نايف سالم – الكويت