جهاديون فرنسيون في سوريا لـ”تحرير العالم بأسره”

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

في شمال غرب سوريا، يعيش مئة وعشرون مقاتلاً فرنسياً انضموا الى “هيئة تحرير الشام” خلال الحرب مع النظام السابق، يثيرون قلق السلطات الفرنسية بشكل جدّي. بينما ألقى بعضهم السلاح، لا يزال القتال مستمراً بالنسبة لآخرين بقيادة “أمير” فرنسي يستمر في تجنيد “مقاتلين” من بلاده، والهدف “تحرير العالم بأسره” بحسب تحقيقين منفصلين لكل من مجلة “اكسبرس” ومجلة “ليبراسيون” بالتعاون مع قناة “فرانس 2”.

بين رجلين يحيط بهما كلاشينكوف، لوّح محمد (اسم مستعار) بيده عندما سمع من يتحدث اللغة الفرنسية. الرجل الأربعيني الذي كان يقف بزيه العسكري، قرب صف من الدبابات المتوقفة في ساحة الأمويين لم يخف ابتسامته فقد مرّ وقت طويل منذ أن رأى زواراً من وطنه.

“أهلاً فرنسا، ويحيا سقوط النظام”، قال محمد الذي يعيش مع عائلته في منطقة إدلب في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، التي أصبحت معقلاً لمعارضة نظام بشار الأسد خلال الحرب، حيث يقيم معظم الجهاديين الفرنسيين الـ150 الذين ما زالوا يعيشون بحرية في سوريا. هم وصلوا إليها تموز 2017، “لإنقاذ السكان” وشاركوا في القتال ضمن فصائل مختلفة مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش).

من القتال إلى الوظيفة

بعد سقوط بشار الأسد، يقول محمد إن من هؤلاء المقاتلين من تخلى عن معدّاته القتالية ووجد وظيفة تُمكّنه من كسب راتب زهيد، ومنهم من يستمر في القتال ويحاول (بنجاح أو فشل) الانضمام إلى المنطقة العراقية السورية.

محمد من الذين تخلوا عن القتال، بحسب روايته لمندوبة مجلة “اكسبرس”. بعد انتهاء الحرب، سرعان ما أصابه الإحباط وازداد انتقاداً لبلد احتضنه. يقول إنه وجد في سوريا ما هرب منه في فرنسا: “رأيت الكثير من الأمور التي جعلتني اشمئز من سلوك المقاتلين الآخرين. لقد قدمنا كل شيء من أجل السوريين، لكننا لم نحصل على شيء في المقابل. إنهم شعب بخيل”.

في كانون الأول 2024، وبعد أيام قليلة من توليه السلطة، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع نيته منح الجنسية لجميع المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الهجوم على النظام. محمد، الذي لم تعد لديه وثائق صالحة، يعتبر هذه الجنسية “حقاً له”، لكنه يدّعي أنه لا يريدها. ويقول “إذا منحوها لنا، فذلك بسبب ضغوط خارجية، وخاصة من فرنسا، التي لا تريد عودتنا”.

يُصرّ محمد على أنه لا ينوي العودة إلى فرنسا، حيث يعلم أنه سيُحاكم. منذ عام 2014، أُدين مئات الفرنسيين الذين سافروا إلى سوريا بجرائم تتعلق بالجهاد. تصل الأحكام إلى 30 عاماً من الاحتجاز. في أواخر العام الماضي، صرّح أوليفييه كريستين، المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب، في مقابلة مع قناة “فرانس 2” أنه إذا غادر الجهاديون الفرنسيون سوريا، فسيتم اتخاذ إجراءات للقبض عليهم.

النظام الفرنسي معادٍ

ما يزيد الأمر خطورة بالنسبة لمحمد، أنه معروف بتورّطه في تمويل محاولات تحرير نساء من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) محتجزات في مخيمات شمال شرق سوريا، حسب مصدر أمني فرنسي. يقول محمد الذي يؤكد أنه غير متطرف دينياً: “كمسلم، أفضل العيش في بلد مسلم. النظام الفرنسي معادٍ للمسلمين. لا يمكنهم العيش كما يحلو لهم. تقول “الله أكبر” وينتهي الأمر، أنت إرهابي. حتى المتحرشون بالأطفال يُسجنون لمدة أقل منّا”.

يعترف محمد أنه اليوم يجد نفسه في مأزق، ولا يُخفي مرارته. يقول: “نحن مهاجرون غير شرعيين، بلا مأوى. ليس لدي أوراق ثبوتية، ولا حساب مصرفي، ولا بطاقة صحية. هذه هي حياتي: ليس لدي شيء. حتى المشردين لديهم تصريح إقامة”.

“أمير المجاهدين”

في إدلب، يختلط محمد مع جهاديين فرنسيين آخرين يشكلون مجموعة منفصلة تختلف مواقفهم وتزداد التوترات بينهم. يشير محمد بشكل خاص الى مجاهد فرنسي لا يحظى بإجماع: عمر ديابي، المعروف باسم عمر “أومسن” وهو اختصار لاسم عمر والسنغال، بلده الأم، الذي غادره إلى فرنسا في سن السابعة.

يقود عمر “فرقة الغرباء”، وهي مجموعة تضم عشرات المقاتلين الناطقين بالفرنسية، في معسكر يقع في بلدة حارم، في أقصى شمال غرب سوريا، بالقرب من تركيا. تعتبره أجهزة المخابرات أحد أبرز مُجنِّدي الجهاديين الفرنسيين. وقد جعل من مدينة أريان في نيس، التي ينحدر منها، إحدى المنصات الرئيسية للانطلاق نحو سوريا في العام 2010.يعيش أومسن في سوريا منذ 12 عاماً، محاطاً بأكثر من 120 مقاتلاً ناطقاً بالفرنسية، وحوالي 70 جهادياً، برفقة زوجاتهم وأطفالهم، داخل معسكر محصن بالأسلاك الشائكة على الحدود التركية، وفق صحيفة “ليبراسيون”.

يسمي رجال أومسن زعيمهم بـ”أمير” المكان.  استطاع فريق من مجلة “ليبراسيون” الفرنسية و”فرانس 2″ الدخول الى المعسكر. يعترف الفريق الإعلامي أنّ أومسن استقبله بهدف واضح للغاية: الترويج لنفسه. أظهر له بفخر المنازل قيد الإنشاء، وملعب كرة قدم، والمسبح الذي يحفره أمام منزله. و”هذا طبيعي، لديّ أربع زوجات. وأطفال أيضاً… حوالي عشرة”، بحسب قوله.

عندما يتحدث، يُحب سرد أسماء الجبهات التي يزعم أنّ رجاله قاتلوا عليها، يُروّج لصور نمطية رجعية عن فساد الغرب ويطلق عبارات مبتذلة تهاجم “النسويات” و”الوعي الاجتماعي”. عندما سُئل عن مكانة المرأة في معسكره، كان الرد سريعاً: “يجب عليهن تربية الأطفال؛ غيابهن عن المنزل هو ما أفسد المجتمع الغربي”.

عداء للحكم الجديد

وفقاً لمراقب فرنسي استعاد “عمر أومسن جاذبيته وبدأ ينشط في الدعوة من جديد في فرنسا. وقد لفتت مجموعته الانتباه مجدداً نهاية العام الماضي لأنّ نصف أعضائها شاركوا في العملية التي شنّها الثوار على دمشق”.

يفخر الرجل المولود في نيس بأنّ جماعته “شاركت في الهجوم بدءاً من الأول من كانون الأول، وفي معركة حماة، ثم حمص، ثم توجهت إلى اللاذقية. لكنه لا يُخفي عداءه للحاكم الجديد لسوريا.

يقول عمر الذي سجن من قبل “هيئة تحرير الشام” بين آب 2020 وكانون الثاني 2022، غاضباً: “فجأة، رأينا قائد السفينة يقفز الى سفينة أخرى ويبدأ بإطلاق النار على سفينتا”. يشير إلى أنّ أولوية الجهادي السابق كرئيس للبلاد تكمن الآن في استعادة صورته في نظر المجتمع الدولي.

على مثال غيره من الجهاديين الفرنسيين في سوريا، يندد عمر بسياسة الانفتاح التي تنتهجها الحكومة الجديدة، والتي تُعزز وضع الأقليات والنساء والحريات الفردية. يقول أومسن: “أعدّ الجولاني (أحمد الشرع) حساء؛ ظنّ أنه بإضافة خضراوات مُرّة وحلوة وبلا طعم، سيُحضّر حساءً شهياً. لكنه أخطأ. لقد خلط بين الأعداء والمؤيدين والضحايا”.

الأقليات أعداء

لا يستبعد الجهادي الفرنسي المتطرف لعب دور أمني في سوريا الجديدة مستقبلاً. ويحذر قائلًا: “إذا ظهر عدو وكان بإمكان الدولة حل المشكلة، فلتفعل ذلك بنفسها. لكن إذا رأينا أنها غير قادرة، فسنتولى الأمر سراً. إنقاذ المحتاجين واجب ديني”.

تُعدّ قضية المقاتلين الأجانب قضية ملحة، إذ تخشى دولهم من دمجهم في جهاز الأمن السوري الجديد… كما اشترطت الإدارة الأميركية تحييدهم لرفع العقوبات عنهم. وبعد أن أعلن في البداية أنه يريد منحهم الجنسية السورية وقبولهم في الجيش، تراجع الرئيس السوري عن موقفه. تعتبرهم الحكومة السورية الجديدة مصدر خطر. وفقاً لمصدر أمني سوري “لا يزال أعضاء جماعة أومسن متطرفين للغاية، ويُعتبرون خطرين. لقد تسببوا لنا بمشاكل أكثر من أي شيء آخر، ومنذ عام 2020، يخضعون لمراقبة مستمرة من قبل الأمن العام”.

بالرغم من بقائها تحت أنظار الحكومة الجديدة، تتمتع هذه المجموعة الآن بنوع من الاستقلالية. لا يغادر عمر أومسن معسكره أبداً، مع أنه يدّعي أن له الحق في ذلك.

إيمان شمص