بقلم وليد الحسيني
تعوّدنا في لبنان على طبقة سياسية تصرّح ولا تصارح.
تخفي هزائمها، وتعطي اللبنانيين من طرف اللسان بطولات.
هذه حالة الطبقة السياسية في لبنان.
لقد مرّ علينا زمن ونحن نسمع عن أبطال بلا بطولات… وعن منتصرين بلا انتصارات.
واليوم تمارس علينا الطبقة السياسية ذاتها الهلوسة القديمة ذاتها… لكن احتمالات الخطر الآتي قد لا يحتملها لبنان، وهو الذي لم يرفع بعد ركام التدمير الإسرائيلي وأشلاء شهداء القصف العشوائي.
واليوم، ولأن إشارات الشر تجتاحنا، بتبادل التهديدات بين إسرائيل وحزب الله، فمن حق اللبنانيين أن يلبسهم القلق، وأن يتراجع تفاؤلهم بالعهد وبما تعهد.
لا ننكر أننا تفاءلنا بخطاب قسم فخامة الرئيس، لكنه تفاؤل يبدو أنه بدأ يفقد فعله ومفعوله بمرور الزمن .
ولا ننكر أن أكفّنا أدماها التصفيق إعجاباً ببيان حكومة نواف سلام، لكنه كأنه تصفيق في سوق النحاسين… فبيان حكومة سلام، كبيانات حكومات سابقة، وضع بتصرف الممحاة.
كل ما ساد من فساد عاد ليكون.
محاصصات في تسمية الوزراء والقيادات الأمنية.
تباهى العهد وحكومته بإعلان معايير للتعيينات لم يعرها أكلة الجبنة اهتماما. فتقاسموا المواقع المالية والقضائية الرئيسية، عملا بالمبدأ السائد “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
وخوفاً من أن تقطع الأيدي، التي تمتد لنزع سلاح حزب الله، تقرر استعادة حوار “الاستراتيجية الدفاعية” باستعادة حكاية “إبريق الزيت”، التي تحولت إلى حكاية مملة من حكايات تراثنا السياسي.
لا ننكر دهشتنا بشجاعة الرئيس جوزيف عون عندما أقسم على حصر السلاح بالدولة.
ولا ننكر إعجابنا بخوفه من أن يؤدي قسمه إلى حرب أهلية لها أنصارها في الداخل والخارج.
يبقى السؤال:
لمن الغلبة، للشجاعة أم الخوف؟.
في الإجابة، وأياً كانت، فإن في استعجال الشجاعة بلية، وفي تمادي الخوف البلية أعظم.
ولأن المنطقة ممتلئة بالمؤشرات الخطرة، يصبح الإحتكام إلى الحكمة ضرورة يستدعيها العقل والتعقل.
لكن إلى متى يصبر الإستقرار على الصبر؟.
العلامات والمعلومات تنذرنا بدفع ما دفعته غزة والغزاويين.
إن ما يجري في البحر الأحمر هو فعل إيراني بفاعل حوثي.
كما أن توقف حزب الله عن الوقوف وراء الدولة بإعلانه فشل جيشها ودبلوماسيتها في التحرير… وأن سلاحه هو البديل القادر والمقتدر.
لا شك أن حزب الله والحوثي قد نجحا في إسماع صوت إيران الذي غيّبته ضربة أميركا النووية.
كل هذا يُصنف بالهذيان… ويُعتبر عودة إلى سياسة المغامرات والهلوسة.
وسط المجهول الزاحف حثيثاً نحو لبنان، ترى ما مصير خطاب القسم والبيان الوزاري؟.
نخشى الأخذ بنظرية جبران باسبل “ما خلونا”.
و”ما خلونا” هنا تعني حزب الله، الذي يخلي مكانه نظرياً للدولة والأخ الأكبر، والذي يتخلى عملياً عن الدولة وعن الأخ الأكبر معاً.
وهذا ليس التناقض الوحيد، فالأغرب والأعجب منه أن حزب الله يطلب من الدولة إعادة الإعمار ويُمارس كل مايؤدي إلى إعاقة الإعمار.
ولأننا نريد إجابة حقيقية عن إعادة الإعمار وإعاقته، الأجدى توجيه السؤال إلى طهران… فعندها الخبر اليقين.
وليد الحسيني