الأذان من أبرز شعائر الإسلام، وهو النداء الذي يُرفع خمس مرات يوميًا في أرجاء العالم، للإعلان بدخول وقت الصلاة، وله وقع خاص في قلوب المسلمين، إذ يذكّرهم بوحدانية الله، ويحثهم على أداء أحد أهم أركان الدين: الصلاة، ليعبروا فيها عن شكرهم ومحبتهم لله.
ولكن، متى شُرع الأذان؟ وما منزلته في الشريعة؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال بالتفصيل.
قصة تشريع الأذان
في بداية الإسلام، لم يكن هناك وسيلة منظّمة لإعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة. وكان الناس يتجمعون على حسب المعرفة والتوقيت، مما سبّب بعض الارتباك. فبدأ الصحابة يطرحون أفكارًا للتنظيم. منهم من اقترح استخدام البوق كما يفعل اليهود، ومنهم من اقترح استخدام الناقوس كالنصارى. ولكن النبي ﷺ رفض هذه الاقتراحات لأنها تشابه ما لدى أهل الديانات السابقة.
فكان المسلمون بحاجة إلى طريقة مميزة تجمع بين الإعلام بالشعيرة وبين خصوصية الهوية الإسلامية، فتدخّلت العناية الإلهية في تحديد أفضل وسيلة، وهي الأذان.
ثبت في صحيح البخاري، أن سبب تشريع الأذان كان رؤيا رآها الصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه حيث جاء إلى النبي ﷺ وقال له:
“يا رسول الله، إني رأيت في المنام رجلاً عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده، فقلت له: أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: تقول: (الله أكبر، الله أكبر…)” ثم علمه ألفاظ الأذان كاملة.
فأخبر عبد الله النبي ﷺ بذلك، فقال له: “إنها لرؤيا حق، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فإنه أندى صوتًا منك”. فقام عبد الله وعلّم بلالًا كلمات الأذان، فصعد بلال على مكان مرتفع وأذّن، وكان أول أذان في الإسلام.
وجاء عمر بن الخطاب بعد ذلك إلى النبي ﷺ وقال: “يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذي رأى!” ففرح النبي ﷺ بذلك، وقال: “الحمد لله”. فتأكد أن الرؤيا كانت وحيًا من الله لقلوب عباده الصالحين.
وقد شُرع الأذان في السنة الأولى للهجرة، بعد أن بُني المسجد النبوي، وكان النبي ﷺ قد بدأ في تنظيم المجتمع الإسلامي.
فضل الأذان والمؤذنين
وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة تبين مكانة الأذان وفضله، منها:
قول رسول الله ﷺ:”المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة”، أي أنهم في موضع شرف ورفعة.
وقوله ﷺ: “المؤذنون يُغفر لهم مدى صوتهم، ويشهد لهم كل رطب ويابس”.
كما أن مَن يردّد خلف المؤذن ثم يدعو بدعاء الأذان، ينال شفاعة النبي ﷺ يوم القيامة.
حكمة تشريع الأذان
شرع الله الأذان لحكم عظيمة، منها:
- الربط بين الأرض والسماء: فالأذان يعلو في السماء، منادياً أهل الأرض إلى الصلاة.
- إظهار شعائر الإسلام في العلن ويثبت حضوره في المجتمعات.
- يساعد المسلمين على ضبط أوقاتهم الدنيوية والدينية.
- تذكّر الكلمات التي يحتويها الأذان المسلم بعقيدته خمس مرات يوميًا.
صيغة الأذان
الأذان الذي أقره النبي ﷺ يتضمن:
الله أكبر، الله أكبر / الله أكبر، الله أكبر / أشهد أن لا إله إلا الله / أشهد أن لا إله إلا الله / أشهد أن محمدًا رسول الله / أشهد أن محمدًا رسول الله / حي على الصلاة / حي على الصلاة / حي على الفلاح / حي على الفلاح / الله أكبر، الله أكبر /لا إله إلا الله .
وفي صلاة الفجر، تُزاد جملة: “الصلاة خير من النوم” مرتين بعد “حي على الفلاح”.
الأذان والإقامة
الإقامة هي نداء ثانٍ يُقال قبل بدء الصلاة مباشرة، وهي تشبه الأذان لكنها مختصرة، وتضاف إليها جملة:”قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة”.وهي بمثابة إعلام داخلي بأن الصلاة ستبدأ فورًا.
الأذان والهوية الإسلامية
الأذان ليس مجرد عبادة، بل هو جزء من حياة المسلم اليومية. فمنذ أن يولد الطفل، يُؤذّن في أذنه اليمنى، ويُقام في اليسرى، وهذا إعلان بأن أول ما يسمعه المولود هو نداء التوحيد.
وفي المجتمع، يعتبر الأذان رمزًا حيًا للهوية الإسلامية. فلا تكاد تسمع الأذان في بلدٍ ما، إلا وتشعر أن الإسلام حاضر فيه. ولهذا، يسعى المسلمون في بلاد غير إسلامية إلى إنشاء مراكز ومساجد تُرفع فيها هذه الشعيرة، حفاظًا على هويتهم، وإحياءً لدينهم.
الأذان في العصر الحديث
رغم تغير الأزمنة، بقي الأذان محافظًا على مكانته وهيبته في العصر الحديث:
تُستخدم مكبرات الصوت لتوسيع نطاق الأذان.
تعتمد بعض الدول “أذانًا موحدًا” تنظيميًا.
يُبث الأذان عبر محطات التلفزة والإذاعة.
تطورت التطبيقات والبرامج الإلكترونية التي تُذكّر بالأذان وأوقاته.
ومع كل هذا، تبقى الروح واحدة، والهدف واحد: دعوة الناس إلى الصلاة وذكر الله.
ختاماً،
أمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن للحج فقال: “ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ” (سورة الحج )
وفي كل يوم، وعلى مدار السنين والقرون، وإلى يوم القيامة، يظل الأذان يُرفع في كل مكان، ليذكّر الناس بأن الله أكبر، وأن لا إله إلا هو، وأن محمدًا رسول الله، فحريٌ بكل مسلم أن يستشعر عظمة هذه الشعيرة، وأن يُبادر إلى الصلاة عند سماعه، وأن يردده بلسانه وقلبه، ويستذكره في سلوكه ووجدانه.
المهندس بسام برغوت