حديث الجمعة _”أفضل الأعمال عند الله”

المهندس بسام برغوت

يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا بين عملٍ وسعيٍ، يجتهد في طلب الخير ويتجنب الشر، ويبحث عن الأعمال التي تُقَرِّبه من ربِّه جلّ وعلا. وقد بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم، ووضّح نبيّه صلى الله عليه وسلم في سنّته المطهَّرة، أن الأعمال تتفاضل عند الله بحسب إخلاص صاحبها ونفعها للخلق وموافقتها للشرع. فليس المعيار في ميزان الله كثرة العمل أو مظهره الخارجي، بل صلاح القلب وصدق النية، قال تعالى: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” (سورة المائدة).

  • الإخلاص أساس التفاضل بين الأعمال

إن الإخلاص لله هو روح العمل الصالح، وبدونه لا قيمة لأي عمل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. فربّ عملٍ صغير ترفعه النية الصادقة ليكون أعظم من عملٍ ظاهرٍ كبير خالٍ من الإخلاص.

  • الصلاة في مقدمة أفضل الأعمال

ورد في أحاديث كثيرة أن الصلاة من أعظم القربات وأحب الأعمال إلى الله. فعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: “أي العمل أحب إلى الله؟” قال: “الصلاة على وقتها”. فالصلاة عماد الدين، وهي الصلة التي تربط العبد بخالقه خمس مرات في اليوم والليلة، فيها الطمأنينة والسكينة، وفيها الخضوع والتذلل لله. من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن ضيّعها خسر دينه ودنياه.

  • برّ الوالدين من أعظم القربات

بعد عبادة الله مباشرة يأتي الإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”(سورة الإسراء). فبرّ الوالدين من أحب الأعمال إلى الله، وهو دليل على صدق الإيمان وحسن الخلق. وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد”.

  • الصدقة والإحسان إلى الناس

من أحب الأعمال إلى الله كذلك الصدقة، لأنها تُطهّر النفس من البخل وتغرس في القلب الرحمة والإنسانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس”. فكل عملٍ ينفع الخلق ويخفف عنهم ألمًا أو حاجةً فهو من أفضل الأعمال. والصدقة ليست بالمال فقط، بل بالكلمة الطيبة، والابتسامة، والتعليم، والنصيحة، والمساعدة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تبسُّمك في وجه أخيك صدقة”. فالمؤمن يسعى في نفع الناس بكل ما يستطيع، لأن الخير يعود عليه مضاعفًا، قال تعالى: “مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً”(سورة البقرة).

  • ذكر الله من أفضل القربات

الذكر من أسهل الأعمال على اللسان وأعظمها أثرًا في القلب، قال الله تعالى: “فاذكروني أذكركم”(سورة البقرة). فالعبد الذي يلهج لسانه بذكر الله يكون في معية ربه دائمًا، ويطمئن قلبه بذكر الله، قال تعالى:”الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (سورة الرعد) 

  • الصبر على البلاء

الصبر من أحب الأعمال إلى الله، وهو دليل على قوة الإيمان وصدق التوكل. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”(سورة البقرة)، وقال أيضًا: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”(سورة الزمر).

  • حسن الخلق

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق” ، فالأخلاق الحسنة من أعظم ما يحبّه الله، لأنها ثمرة الإيمان الحقيقي. فالمتواضع، والرحيم، والصادق، والعفو، والكريم، هم أحب الناس إلى الله. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً في الأخلاق، فجمع بين الحلم والعفو والصدق واللين، حتى أثنى الله عليه بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (سورة القلم).

  • التوبة والاستغفار

من أفضل الأعمال كذلك التوبة الصادقة، لأن الله يحب التوابين، قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (سورة البقرة)، فالتوبة تجبّ ما قبلها وتمحو الذنوب، وهي دليل على حياة القلب. وكل إنسانٍ معرضٌ للخطأ، ولكن خير الخطّائين التوابون. فمن تاب إلى الله بصدق، وندم على ذنبه، وعزم على عدم العودة إليه، قبله الله وأبدل سيئاته حسنات.

ختاماً،

إن أفضل الأعمال عند الله ليست محصورة في عملٍ معين، بل تتنوّع بحسب الزمان والمكان وحال العبد ونيته. فربّ عملٍ بسيطٍ يعمله الإنسان بإخلاصٍ يكون أحب إلى الله من أعمالٍ عظيمةٍ خاليةٍ من النية الصادقة. وأعظم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم هو أن يكون قلبه معلقًا بالله، وأن يسعى دائمًا لرضاه في كل ما يقوم به من قولٍ أو فعل. فمن أحسن علاقته بربه، وأخلص في عمله، وأحسن إلى خلق الله، فقد فاز برضا الله ومحبته، وبلغ أعلى المراتب في الدنيا والآخرة.

المهندس بسام برغوت