حديث الجمعة_كراهة الغضب وعلاجه

المهندس بسام برغوت

الغضب شعور فطري يعتري الإنسان حينما يشعر بالإهانة أو الظلم، لكن التعبير عنه بطرق غير مشروعة يؤدي إلى أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع. وقد حذّر الإسلام من الغضب، وعدّه من الأخلاق المذمومة إذا لم يُضبط، لما يترتب عليه من آثار سلبية في الدين والدنيا. وسنتناول في هذا المقال موقف الإسلام من الغضب، وأضراره، وأسبابه، ثم نتطرق إلى الوسائل العملية لعلاجه.

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بمنظومة أخلاقية متكاملة تهدف إلى تهذيب النفس وتقويم السلوك، وكان من أهم المبادئ التي أرساها الإسلام الدعوة إلى الحلم وضبط النفس والتسامح، والنهي عن الغضب والانفعال، فقد رُوي أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب” (رواه البخاري). وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى خطر الغضب وآثاره، وأنه مفتاح للشرور، وسبب لوقوع العداوات والقطيعة، ودافع إلى كثير من المعاصي كالقتل، والسب، والقذف، وإفشاء الأسرار، وفضح العيوب، مما يجعل الإنسان يندم لاحقًا حين تزول ثورة غضبه.

إن كراهة الغضب في الإسلام ليست نابعة فقط من كونه شعورًا سلبيًا، بل لأنه أيضًا يعكّر صفو النفس ويمنع العقل من التفكير السليم. فالغضب إذا اشتد على الإنسان أفسد عليه قراراته، وقد يدفعه إلى التصرف بعدوانية أو تلفظ بكلمات يندم عليها، كما يؤدي إلى التفكك الأسري، والخصومات، والانفعالات الحادة التي تخلُّ بعلاقاته الاجتماعية. ولهذا السبب كان ضبط الغضب من علامات قوة الشخصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” (متفق عليه).

وعندما نتأمل في أضرار الغضب نجد أنه لا يقتصر على الأثر النفسي والاجتماعي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الأثر الجسدي؛ فالغضب يؤدي إلى تسارع نبضات القلب، وارتفاع ضغط الدم، واضطراب التنفس، وقد يكون سببًا في الإصابة بأمراض مزمنة مثل القلق، والأرق، والسكري، وأمراض القلب. ومن الناحية النفسية، فإن كثرة الغضب تؤدي إلى التوتر الدائم، والاكتئاب، والشعور بالضيق، وربما العزلة الاجتماعية، مما يُضعف من طاقة الإنسان الإنتاجية، ويحول دون تحقيق أهدافه في الحياة.

أما عن أسباب الغضب، فهي متعددة ومتنوعة، فمنها ما هو متعلق بالبيئة الاجتماعية، كالنشأة في جوّ متوتر تسوده العصبية والصراخ، أو التأثر بأصدقاء يفتقرون إلى الهدوء وضبط النفس. وهناك أسباب شخصية، مثل قلة الصبر، وسرعة الانفعال، وعدم التمرن على كظم الغيظ.

وقد يكون السبب شعورًا بالظلم أو القهر أو الإحباط، أو تراكم الضغوط النفسية والعملية، وكلها أمور يمكن علاجها إذا توفرت الإرادة والنية الصادقة.

وأما عن علاج الغضب، فقد دلّت النصوص الشرعية على وسائل عملية نافعة تُعين الإنسان على ضبط نفسه، وتُساعده على التخلص من هذا الخُلق المذموم. أول هذه الوسائل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كما جاء في الحديث أن رجلين استبّا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي: “إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” (متفق عليه). فإن الغضب من نزغات الشيطان، والاستعاذة بالله تُضعف وساوسه وتعين على التثبت.

ومن وسائل العلاج أيضًا، تدريب النفس على الحِلم والصبر، والتدرّب على التسامح والعفو، فكلما واجه الإنسان موقفًا يُثير غضبه ثم كظم غيظه وتغافل عنه، كان ذلك تمرينًا عمليًا يُعزز من قوته الداخلية، ويُبعده عن الاستسلام للعاطفة. وقد أثنى الله تعالى على من يتمتعون بهذه الصفة، فقال: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (سورة آل عمران). فهذه الآية تجعل من كظم الغيظ وسيلة لنيل محبة الله، وهي غاية سامية تستحق أن يسعى لها المؤمن.

كما ينبغي على الإنسان أن يراقب نفسه ويحاسبها، وأن يراجع مواقفه، وأن يتعلم من تجاربه السابقة. فإذا شعر الإنسان أنه في كل مرة يغضب يفقد السيطرة ويقع في الأخطاء ثم يندم، فعليه أن يجعل هذا الندم دافعًا للإصلاح والتغيير. ويمكن كذلك الاستفادة من تمارين التنفس العميق، وتقنيات الاسترخاء العقلي، واتباع أسلوب التأمل والتفكر في النتائج المترتبة على الغضب. ولمن كان غضبه خارجًا عن السيطرة، فقد يحتاج إلى استشارة نفسية متخصصة لتعلم مهارات إدارة الغضب بشكل أكثر فعالية.

إن الغضب ليس دائمًا مذمومًا، فهناك ما يُسمى بالغضب المحمود، وهو ما يكون لله تعالى، حينما تُنتهك حُرمات الدين، أو يُظلم المظلوم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتُهكت حرمات الله، لم يقم لغضبه شيء. لكن هذا النوع من الغضب ينبغي أن يُضبط بالحكمة، وألا يتحول إلى تصرفات غير منضبطة.

ختاماً ، فإن كراهة الغضب في الإسلام نابعة من الحرص على صلاح الفرد والمجتمع، وعلى سمو النفس الإنسانية، ورقيّها الأخلاقي. وإن علاج الغضب ليس مستحيلًا، بل هو ممكن بالإرادة والمجاهدة والتدرّب، والاستعانة بالله، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ومن رزقه الله الحِلم والصبر فقد أوتي خيرًا عظيمًا، ومن جاهد نفسه على كظم الغيظ، فإن الله سيجزيه أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.

المهندس بسام برغوت