حديث الجمعة_ الرضا مفتاح السعادة

يُعد الرضا بما قسمه الله للعبد من أعظم أبواب السعادة والطمأنينة في الحياة، وهو أحد مفاتيح الإيمان الصادق والتوكل الحق على الله عز وجل. فالرضا لا يعني الاستسلام للواقع دون سعي، بل هو طمأنينة القلب وعدم السخط على قضاء الله، مع الأخذ بالأسباب والسعي المشروع لتحقيق الأفضل، دون التعلق الزائد بالنتائج أو الاعتراض على حكمة الله.

مفهوم الرضا

الرضا هو القبول بقضاء الله وقدره، من غير حزن أو سخط أو تذمر. وهو شعور داخلي ينبع من ثقة العبد بربه، وإيمانه بأن الله لا يقدر له إلا ما فيه خير، وإن خفي عنه وجه الخير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له” (رواه مسلم). وهذا الحديث يجسّد المعنى العميق للرضا، ويُظهر كيف أن الإيمان الحقيقي يجعل من كل حال للعبد خيرًا.

الرضا مصدر للراحة النفسية

الرضا يمنح الإنسان راحة نفسية عظيمة، فيطمئن قلبه ولا يضطرب عند المصائب، ولا يحسد غيره عند النعم. يعيش الإنسان بقلب راض سليم لا يحمل الطمع ولا تحرقه نار الحسد. 

فالساخط يعيش في ألم دائم، ينظر إلى ما في يد غيره ويقارن ويشعر بالنقص، بينما الراضي ينام قرير العين، مقتنع بما أعطاه الله، يعلم أن الأرزاق بيد الله، وأنه سبحانه أعلم بما يصلح عباده.

الرضا لا ينافي الطموح

قد يظن البعض أن الرضا يتعارض مع الطموح والسعي، ولكن هذا غير صحيح. فالمؤمن يسعى بكل جهده ويعمل لتحقيق الأفضل، ولكنه في النهاية يسلّم أمره لله، ويرضى بما يحققه له. فإن جاءه ما يسرّه حمد الله، وإن جاءه غير ذلك، رضي واحتسب.

فالرضا لا يعني أن لا نطمح أو نتطور، بل يعني أن لا نحزن إن لم نصل إلى ما نريد.

مثال ذلك: شخص يسعى للنجاح في مشروع ما، يخطط ويعمل ويجتهد، لكنه في النهاية لم يصل إلى النتائج المرجوة. المؤمن الراضي يقول: “قدر الله وما شاء فعل”، ويبحث عن أسباب التقصير ليعالجها، ولكنه لا يحزن ولا يعترض على قضاء الله، بل يؤمن أن الخير فيما اختاره الله له.

آثار الرضا على المجتمع

إذا شاع الرضا بين أفراد المجتمع، قلت الأحقاد والضغائن، وانتشرت المحبة والمودة. لأن الراضي لا يحقد على من رُزق مالًا أو علمًا أو منزلة، بل يدعو له بالبركة، ويوقن أن الله يعطي كل عبد ما يناسبه، وأنه سبحانه حكيم في تقسيم أرزاقه.

أمثلة من الرضا في حياة السلف

في حياة الصحابة والتابعين الكثير من الأمثلة التي تجسّد الرضا. فقد عاش كثير منهم في ضيق من الدنيا، ولكن كانت قلوبهم عامرة بالرضا. فهذا عروة بن الزبير، يُصاب في رجله بمرض شديد، تُبتر رجله، وفي نفس الوقت يموت أحد أولاده، فيُصلي ركعتين ثم يقول: “اللهم لك الحمد، أعطيتني أربعة أطراف فأخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، وأعطيتني أربعة من الأولاد فأخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، فلك الحمد على ما أعطيت، ولك الحمد على ما أخذت”.

هذه الكلمات البسيطة تحمل من الرضا ما يعجز اللسان عن وصفه. إنها قمة التسليم والثقة والطمأنينة بما قسمه الله.

كيف نغرس الرضا في قلوبنا؟

الرضا لا يأتي فجأة، بل هو نتاج تربية إيمانية، ومجاهدة للنفس، ويمكن للإنسان أن يزرعه في قلبه من خلال عدة أمور:

  1. الاستعانة بالله: والدعاء بأن يرزقك الله قلبًا راضيًا، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم رضّني بقضائك وبارك لي فيما قُدِّر لي”.
  2. النظر إلى من هو أقل منك: في المال، أو الصحة، أو الجاه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” .
  3. الإيمان بأسماء الله وصفاته: فكلما ازداد إيمانك بأن الله حكيم، رحيم، عليم، ازداد يقينك أن ما قدّره لك هو الخير.
  4. تذكّر نعم الله الأخرى: فحتى في وقت الشدة، ما زال هناك نِعَم كثيرة تُحيط بنا لا نراها من فرط الاعتياد.

من الجوانب المهمة التي يغرسها الرضا في النفس، هو الاتزان العاطفي والسلوكي.

فالشخص الراضي لا يكون سريع الغضب، ولا تتقلب مشاعره بتقلب الظروف. يتعامل مع الناس بهدوء، لأن قلبه ممتلئ باليقين أن ما عند الله خير وأبقى.

هذا الاستقرار الداخلي ينعكس إيجابًا على تعاملاته، فيصبح أكثر صبرًا، وأقل تذمرًا، وأحسن خُلقًا.

يلعب الرضا في محيط الأسرة، دورًا محوريًا في تقوية الروابط. فالزوج الراضي لا يُقارن حاله بغيره، بل يقدّر نعمته ويحرص على إسعاد أسرته بما لديه.

والزوجة الراضية تنظر لما تملك لا لما ينقصها، فتزرع في بيتها جوًا من القناعة والطمأنينة.

أما الأبناء، فإذا تربّوا في بيت يسوده الرضا، نشأوا قانعين، شاكرين، لا يستصعبون الحياة، ولا يغضبون لأتفه الأمور.

ختاماً،

الرضا أيضًا يحمي القلب من أمراض كثيرة، كالحسد، والغل، والكبر. فمن رضي، عاش كريم النفس، قوي الإيمان، بعيدًا عن المقارنات المحبِطة والضغوط النفسية. وبذلك، يكون الرضا زادًا روحيًا، ومصدرًا للسكينة في دنيا مليئة بالتقلّبات والتحديات.

المهندس بسام برغوت