‏رسائل إلى القادة السياسيين.. ‏إدارة الأدوار لا تعني التورط بها ولا تعني الفساد (قواعد في السياسة)

الحلقة السادسة

د. عماد فوزي شُعيبي

رابع  قوائم العمل السياسي: الوظيفية التي تعني التعامل مع الواقع كما هو دون البحث في أسباب ما هو فيه.

‏وتعتمد الوظيفية على فكرة أساسية أن لكل فرد في المجتمع دوراً وأنه لا يجوز إلغاء أيِّ دور، وأن وظيفة السياسي هي إدارة الأدوار،  وأن لا يطغى دورٌ على دور.

‏وتعتبر الوظيفية أن الحياة السياسية هي بكلمة: الصراع، وأن واجب رجل الدولة، هو إدارة الصراع، وأن ثالوث العمل السياسي هو صراع- حلّ-صراع.

‏لذلك لا يفكر السياسي بإلغاء الأدوار أو إلغاء الصراعات، بل بالعكس يديرها. ويعتبر أن صراعاً يعرفه أفضل من صراع جديد لا يعرفه، وأنه إذا كان حلّ الصراع سيؤدي إلى صراع أكبر، فالأفضل هو عدم حل الصراع! و الاكتفاء بإدارته بالحد الأدنى من التكاليف.

‏من هذا المنظور الوظيفي، يكون النظر إلى العمل السياسي والحدث السياسي موقع اختلاف وسوء فهم بين مستويات مختلفة من البشر ومواقعهم من الحدث السياسي نفسه:

فالناس العاديون ينظرون إليه من منظور (ما يجب أن يكون).

 والصحفيون ينظرون إليه من منظور (الخبر).

والمثقفون ينظرون إليه من منظور ما جاء في (الكتب).

ورجال الفكر السياسي ينظرون إليه من منظور (الجيوبوليتيك).

ورجال المخابرات ينظرون إليه من منظور (المؤامرة والشك وترتيب الصفقات).

والدبلوماسيون ينظرون إليه من منظور (الاتفاقات والمواثيق الدولية).

ورجال الدولة ينظرون إليه من منظور (فن الممكن في إطار مصلحة الدولة العليا التي تأخذ بعين الاعتبار الصراعات على الجيوبوليتيك).

‏ولكل من هؤلاء وظيفته، في المجتمع السياسي، حتى وإن كان الخلاف كبيرًا بينهم. وهنا يتم شرعنة الخلافات باعتبارها جزءاً من الصراع، على أن لا تفيض الخلافات إلى مرحلة تآكل دور السياسة في إطار مصلحة الدولة العليا. فللسياسة الدور الأعلى في العمل العام.

إدارة الأدوار ترتبط بفكرة (الواقع) فهؤلاء البشر موجودون في المجتمع والمجتمع السياسي، ولا يهم رجل الدولة هنا أن يبحث عن أسباب وجودهم، ولا أن يحل تلك الأسباب، فهو ليس مسؤولاً عن لماذا أصبح بعض الأفراد دكاترة أو مهندسين أو عاملي  نظافة… فهذه ليست مسؤوليّته، فهم موجودون في الواقع الذي عليه إدارته، ومن هنا لا يجوز استبعاد أيّ دور، وإدارة الأدوار تقتضي ألاّ يطغى دورٌ على دور، وعدم التعامل بمنطلق (ما يجب أن يكون) القيميّ مع هذا الواقع، وألاّ يتوَهم أحد إمكانية القضاء على بعض الأدوار المسيئة، إنما التخفيف من آثارها؛ لأن الأدوار مرتبطة ببعض. فمثلاً لولا وجود اللص وغيره من الخارجين عن القانون، لما كان دور الشرطي و القاضي ورجل الأخلاق متوافِرًا أو له قيمة. المهم ألاّ يصبح الخروج عن القانون هو القاعدة، وأن لا يصبح المجرمون هم الذين يقودون الدولة!

‏هذه هي أصعب الإجراءات التي يتعامل بها رجل الدولة مع الواقع؛ لأنه مُطالب بأمرين: الأول ألا تجرَّه وقائع الخروج عن القانون إلى مواقف أخلاقيه محض، وأن يكون ذا عقل بارد، في التعامل معها، والثاني ألاّ ينغمس في بعض الأدوار وعلى رأسها الرزيلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويكون طرفاً فيها، فواجبه إدارة الواقع و الأدوار والوظائف خدمةً للدولة!

‏إن إدارة الأدوار تقتضي أعلى درجات الموضوعية، وعدم التورط بها. فالعقل البارد سمة ملازمة للعمل السياسي الوظيفي، وهذا الأمر ليس سهلا بطبيعة الأحوال؛ لأن مشاعر ونوازع البشر يتداخلان بشدة في الحياة السياسية والاجتماعية. وهنا تكون صفات رجل الدولة الذي يستحق هذا الدور. نعم إنه ذو عقل بارد في إدارة الأدوار، وقلبٌ حار في التعامل مع الناس، شرط أن لا يتدخل القلب الحار في العقل البارد! عندما يكون الأمر متعلقاً بمصلحة الدولة العليا.

‏الوظيفية تقتضي إدارة الصراع باعتبار أن الحياة عموماً والحياة السياسية خصوصاً هي صراع دائم؛ نظرا للطبيعة البشرية التي تتدخل فيها الأنا مع نوازع الشر وحب المال، مع حب السلطة والتسلط إضافة إلى العقد النفسية للبشر التي تجد تجلياتها في السلوك السياسي أحياناً… لذلك يكون على رجل الدولة أن يدير كل هذه الاعتبارات وغيرها، وألاّ يكون مصاباً بها أيضاً وأولاً. وهنا يكون أثر وأهمية دولة القانون في ضبط سلوك البشر وضبط  نوازع الشخصية. فالقاسم المشترك الأعظم بين الحاكم والمحكومين هو القانون. هو الذي يحدُّ من تداخل الاعتبارات الشخصية في إدارة الأدوار.

‏وفي واقع الحال يدرك رجل الدولة الوقائع ويتعامل معها.

وبهذه العناصر الأربعة ، المكيافيلية والأداتية والبراغماتية والوظيفية  مُورست السياسة حتى الثمانينات من القرن العشرين. ولا تزال!  

لهذا عندما يصل أحدهم للسلطة لا يجب إلغاء أدوار من كانوا في سلطة سابقة؛ لأن أدوارهم في مؤسسة الدولة تبقى لاستمرارية الدولة. فإلغاء الأدوار يلغي فاعلية الدولة و يحول الأمر إلى مواقف شخصية ويخلف العداء.

د. عماد فوزي شُعيبي