الحلقة 18
د. عماد فوزي شُعيبي
نتابع في هذه الحلقة النصائح التي نستقيها من كتابنا القواعد النفسية للسلطة في نسخته المعدلة، وهو الكتاب المخصص للقادة وكبار الإداريين
العين مَغْرفة الكلام
“العين لا تكذب، لأنها بلا فم.”
– د. عماد فوزي شعيبي
في ظهورك المباشر وعندما تتكلّم مع الآخر انظر إلى عينيه. لا تتجنّب ذلك؛ لأنه سيدرك إن لم تنظر إليه، (وبصورة لا واعية)؛ إما أنك غير مقتنع بما تقول أو أنك تخشاه.
حاول أن يكون ذلك بما يتجاوز 70% من الوقت.
نظرة العين أكثر تأثيراً من الكلمات. النظر المباشر بنسبة 70% من الوقت يعني:
ثقة بالنفس
سيطرة على الحوار
صدق داخلي
تجنّب النظر يُفهم لا شعورياً كضعف، خوف، أو كذب.
أمثلة سياسية:
جمال عبد الناصر: حين ينظر في الكاميرا يخاطب الشعب، فيولد التأثير المباشر وكأنه داخل الوجدان.
رئيس وزراء كندا السابق ترودو: كان يمزج بين النظرة الإنسانية المباشرة وابتسامة ناعمة، تُذيب التوتر.
أمثلة إدارية:
إندرا نويي من شركة (Pepsi): تستخدم نظرات قوية تعكس إصراراً وثقة، خصوصاً في الاجتماعات الكبرى. وهذا مساعدة في إبرام صفقات من موقع القوة.
إريك شميدت (Google): يعتمد على نظرة مركزية مباشرة، مع أقل حركات وجه، لخلق هيبة معرفية.
تحليل تطبيقي:
احرص على أن تبدأ اللقاء بنظرة مباشرة ثابتة.
لا توزّع نظرك كثيراً. ركّزه.
إذا أردت أن تقول شيئاً حاسماً: انظر مباشرة في عين من تخاطبه، واصمت قليلاً قبله.
***
في لغة المفاوضات.
من يدخل المفاوضات معتقداً أنه ضعيف لا يستطيع أن يأخذ ما يريد؛ وفقاً لقاعدة أن ما سيأخذه المفاوض بالمفاوضات هو بمقدار قوته الفعليّة، وهو ما يعبّر عما يمكن أن يأخذه بالقوة. فليدرك أن هذا تعبيراً ستاتيكياً (ساكناً بلا روح تفاوضيّة)؛ فالمفاوض يستطيع أن يأخذ أكثر قليلاً مما تعطيه إياه موازين القوى إذا كان مفاوضاً جيداً. نعم أنت لا تأخذ بالمفاوضات إلاّ ما تستطيع أن تأخذه بالقوة، ولكن عليك أن تُقنع نفسك بالأكثر وتطالب به لتحصل على ما تريد أو أكثر قليلاً.
مثال على ذلك :
في مؤتمر يالطا (1945) – ستالين دخل المفاوضات كقوة عظمى منتصرة، وليس كحليف متوسل، فاستطاع فرض شروطه بشأن شرق أوروبا.
أمثلة إدارية وتجارية:
ستيف جوبز ومفاوضاته مع شركات الموسيقى قبل إطلاق iTunes (2003) – دخل المفاوضات من موقع القوي الثوري الذي سيغيّر صناعة الموسيقى الرقمية، فحصل على اتفاقات تنازلية رغم كونه لاعباً جديداً وقتها.
صفقة استحواذ ديزني على Marvel (2009) – قدّمت ديزني نفسها كـ”قوة ضخمة في التوزيع والتسويق”، واستثمرت هذه القوة للحصول على Marvel بقيمة أقل بكثير من قيمتها الحقيقية المستقبلية.
***
الإيحاء الذاتي … تفاوضيّاً
“آمن بنفسك، ثم تصرف كما لو أن العالم كله يصدقك.”
ويليام جيمس (رائد في علم النفس الأمريكي)
عندما تبدأ المفاوضات استرخِ واستمتع بها وأقنع نفسك دائماً بأنه لن تكون هناك أضرار على المدى الطويل مهما بالغ الطرف الآخر في مطالباته أو استعراضاته أو محاولاته لفرض إرادته. تذكر أن هذه لعبة وأن عليك أن تلعبها كما يليق بها ووفقاً لطبيعتها لا وفقاً لطبيعتك.
القاعدة: الإيحاء الذاتي قبل المفاوضة يجعلك تدخل قوياً. قل لنفسك قبل الدخول في المفاوضات: “أنا أقوى”، “أنا أملك ما يريدونه”، “أنا لن أتنازل بسهولة”. هذا التكرار ليس وهماً بل تحفيز كيميائي عصبي لإثبات الذات.
أمثلة سياسية وتاريخية:
وينستون تشرشل قبل خطاباته الشهيرة في الحرب العالمية الثانية
كان يكرر على نفسه: “سنقاوم… سننتصر… لن ننكسر أبداً”. هذه الجملة لم تكن موجهة فقط للجمهور، بل لنفسه أولاً. وقد ساعده هذا الإيحاء الذاتي على أن يدخل كل مفاوضة من موقع صلب نفسيًا رغم التحديات القاسية.
غاندي في مفاوضاته مع البريطانيين
رغم ضعف الموقف المادي، كان غاندي يردد لنفسه مفاهيم الحق، اللاعنف، وسمو الهدف، مما منحه ثقة داخلية انعكست في صلابته التفاوضية وقدرته على إحراج بريطانيا أخلاقياً في أكثر من جولة تفاوضية.
أمثلة إدارية وتجارية:
ريتشارد برانسون (مؤسس Virgin Group)
في بداياته، كان يعاني من قلة الخبرة والدعم المالي، لكنه كان يكرر أمام المرآة: “أنا قائد مؤثر، أنا أجعل المستحيل ممكناً”. هذا أعطاه ثقة عند تفاوضه مع شركات الطيران الكبرى، حيث استطاع الدخول كمنافس رغم ضآلة إمكانياته آنذاك.
شيري ساندبرغ (مديرة العمليات في فيسبوك)
صرّحت مرارًا بأنها كانت تردد في بداية مشوارها مع فيسبوك: “أنا أستحق أن أكون هنا”. هذا الإيحاء الذاتي كان حاسماً في مفاوضاتها مع مارك زوكربيرغ لتأمين دور تنفيذي فاعل في الشركة، وليس مجرد دور إداري تقليدي.
في المفاوضات… حتماً أنت قوي
***
المفاوضات… مُكاسرة إرادات
اعتبر، واقنع نفسك، في سريرتك أنَّ أيّ مفاوضات هي مساومات وبالتالي هي معركة إرادات، وأن عليك أن تكسر إرادة الآخر، وألا تكون عاطفياً ولا تأخذنك به الرحمة في البدايات، حتى تنتهيان إلى تقاسم إرادات ومرة أخرى بقاعدة (رابح/ رابح).
التفاوض معركة إرادات؛ حاول أن تكسر إرادة الآخر دون عاطفية، لتصلا إلى تقاسم رابح/رابح.
أمثلة سياسية/تاريخية
اتفاقيات السلام البوسنية (1995) – الوسطاء فرضوا إرادتهم القوية على الزعماء ليصلوا إلى اتفاق؛ لم يكن خيار الانسجام مطروحًا إلا بالسيطرة على الإرادات المتصارعة.
مفاوضات الستينيات حول استقلال الجزائر – فرنسا والجزائريون تنافسوا في الإرادة، حتى فرضت الإرادة الشعبية وقوة جيش التحرير الإرادة الفرنسية للاستقلال.
جولة مفاوضات باريس لإنهاء الحرب الأمريكية–الفيتنامية (1973) – في ظل إرادة أمريكية قوية للتسوية يرجعها لحرب مُرهقة، من قبِلت فيتنام السفلى بقسوة الإرادات المضادة.
أمثلة إدارية/تجارية
إضراب VW 2019 لأجل تحسين ظروف العمل – نقابة العمال دفعت الشركة كلها لإعادة التفاوض بقوة بعدما أظهرت إرادة التصعيد والاستعداد للاضراب.
مفاوضات Netflix مع صنّاع المحتوى –
Netflix دخلت مفاوضات بموقف لا تفاوض إذا لم تُرضِ شركاء الإنتاج؛ أرادت أن تكسر مقاومة الموزعين لترفع حصتها، ثم تم الاتفاق برابح/رابح.
د. عماد فوزي شُعيبي