بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
لا أحد يعرف معنى القمر، إلاّ عندما يختفي في ليالي الشتاء الحالكة. ولا أحد يعرف قيمة الشمس إلاّ أثناء اختفائها وراء الغيوم. فلا القمر انتهى، ولا الشمس انطفأت، إنّما تواريا فقط خلف الضباب.
هل أحدٌ منّا هلّلَ لضوء القمر أو لشعاع الشمس، حين كان يَمشي في النور؟! طبعًا لا… فالإنسان لا يهلل في لحظات الشبع، وحين يَجوع إلى الحاجة، يدرك قيمة غياب الأشياء الثمينة.
العظماء، في حياتِهم، لا يُكرَّمون، لأنّ أنانيّة الأحياء، تَخاف من إبداع العظماء. والدولة عندنا لا تكرِّم سوى الأموات، بعد أن يصمت الكلام! ففي دولتنا، أوسِمة العظماء لا تُعلَّق إلاّ على قبورهم!
اليوم سقط كوكب الفنان الكبير زياد الرحباني، فتجمهرَ المتفرّجون، من جميع الأفرقاء السياسيين. وكلّ واحدٍ راح يعبّر عن تقديره لِهذا الكبير، الذي لطالما ناشدهم لبناء وطن، فرفضوا طيلة حياته، حتى قال فيهم: «هَي بلد؟ لأ مش بلد… هَي قرطة عالم مَجموعين.» ومع ذلك لم ترتعش ضمائرهم ولم يَخجلوا، فتمادَوا في تدمير كلّ مقوّمات الوطن الذي نادى به زياد. واليوم، جاؤوا يُعدّدون مزاياه أمام كاميرات الإعلام، حافظين كلَّ عباراتِه ورسائله، وهُنا الجريـمة: أنّهم كانوا يسمعون ولكن لا يتّعظون!
غريبٌ كيف نرفض نصائح الكبار وتعاليمهم في حياتِهم، ولكن بعد مَماتِهم، نُغرِقهم بترداد عباراتِهم ورسائلهم وتعاليمهم أمام وسائل الإعلام. نَحن شعبٌ منافق يعشق الـمظاهر ويُحسن البكاء في المناسبات وأمام عدسات الكاميرات. إنّما الشيء الوحيد الذي يستحق البكاء، هو ظروف زياد الرحباني… فهل كانت الدولة تعلم ان عظيمها الذي رفع اسـمها في العالم، يَمتهن الوجع الصامت؟!
وهنا يَحضرني مشهد من إحدى مسرحيات دريد لحام (غوار)، عندما كانوا يُحققون معه في السجن، فقال له المحقق بِما معناه: أنت مراقَبٌ ونعرف عنك كل شيء. البارحة رجعت إلى البيت الساعة كذا… وأضأتَ المصباح الساعة كذا… وأطفأتَ المصباح ونِمتَ الساعة كذا… فقاطعه دريد لحام قائلاً: ما دمتم تعرفون عنّي كل شيء، ألم تعرفوا أنّ أولادي ناموا البارحة جائعين من دون عشاء؟!
نعم ، نَحن في دولةٍ أُردِّدُ فيها مقولتي التي أُعَنْوِنُ بِها كلَّ إصدارات «مجلة العالـمية»: «عملة هذا الوطن لا تُدفَع ثَمنًا للكلمة بل ثَمنًا للسكوت.»
وبالنهاية، تأتي الدولة كلّها لتقدّم واجب العزاء، وتضع وسامًا على نعش الكبار الذين تبقى أسـماؤهم حتى بعد ألف سنة، يوم لن يبقى مَن يذكر أحدًا من الحكام الذين باعوا الوطن واستحمّوا بدموع الناس!!!
أيّها المتفرّجون… أنتم في حضرة كوكبٍ سقطَ أمامكم ليكونَ كتابًا مفتوحًا، علّكم تراجعون فيه دروس الوطنية والوطن الذي لا يُفتَرَضُ به أن يَموت، كي لا تتكرّر عبارة: «سقط الكوكب فتجمهرَ المتفرّجون!»
فوزي عساكر